للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى بعض أمرائه، وذكر له بعض الحديث الذي جرى منه، فقال صلاح الدين للرسول: قل لصاحبك: لئن لم يرجع عن بلاده، لأسيرن إلى ملطية، ولا أنزل عن فرسي إلا في البلد (١). وكان الرسول قد عاين جيشا عظيما، وكان عاقلا أديبًا، فقال لصلاح الدين: أريد أقول للسلطان كلاما لم يرسلني به أستاذي، فقال له: قل، فقال: تعطيني الأمان. فقال: قل وأنت آمن. فقال: يا مولانا أما هو قبيح بمثلك، وأنت أعظم السلاطين قدرًا وأكبرهم شأنًا، أن يسمع الناس عنك أنك صالحت الفرنج، وتركت الغزو ومصالح المملكة، وأعرضت عن كل ما فيه صلاح لك ولرعيتك وللمسلمين عامة، وخسرتَ أنت وعسكرك الأموال العظيمة؛ لأجل قحبة مغنية، ما يكون عذرك عند الله تعالى، ثم عند الخليفة وملوك الإسلام وكافة العالم؟ وهَبْ أن أحدًا ما يواجهك بهذا، أمَا يعلمون أن الأمر كذا، ثم احسب أن قليج أرسلان مات، وهذه ابنته قد أرسلتني إليك؛ تستجيرُك وتسألك أن تنصفها من زوجها، فإن فعلتَ فهو الظن، وإن لم يكن أفيَحْسُنُ بك أن تردَّها. فقال صلاح الدين: الحق بيدك، وإن الأمر لكما تقول، ولكن هذا الرجل دخل على، واستجار بي، ويقبح بي تركه، ولكني أجتمع به وأصلح الحال بينكم على ما تحبون، وأعينكم عليه (٢)، ووعد من نفسه بكل جميل. واجتمع الرسول بنور الدين بن قرا أرسلان، وتردد القول بينهم، فاستقر له أنه يخرج المغنية بعد سنة، وإن لم يفعل ينزل صلاح الدين عن نصرته، ويكون هو وقليج أرسلان عليه.

ولما تقرر الحال على ذلك قصد صلاح الدين بلاد ابن لاون، وذلك أنه كان قد استمال قومًا من التركمان، وبذل لهم الأمان (٣)، وأمرهُم أن يرعوا مواشيهم في بلاده، وهي بلاد حصينة منيعة كثيرة الوعر، ثم غدر بهم، وسبى حريمهم، وأخذ أموالهم، وأسر رجالهم، وقتل منهم جماعة، فنزل صلاح الدين على النهر الأسود (٤)، وبث بلاده، فخاف ابن لاون على حصن له على رأس جبل أن يؤخذ، فخرّبه وأحرقه، وهو يسمى


(١) "الباب" في نسخة ب.
(٢) ورد هذا النص بتصرف في الكامل، ج ١٠، ص ١٠١ - ١٠٢؛ الروضتين، ج ٢ ق ١، ص ٤٧؛ سنا البرق الشامي، ص ٣٤٥ - ٣٤٦.
(٣) "الأموال" في الكامل، جـ ١٠، ص ١٠٣.
(٤) النهر الأسود: هو نهر قريب من النهر الأزرق في طرف بلاد المصيصة وطرسوس. معجم البلدان، جـ ٤، ص ٨٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>