للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسكتوا، ثم قال لي: يا شيخ أبو بكر اصعد إلى الشيخ، وقل له: فما لي توبة؟ قال: فصعدت إليه وأخبرته، فقال: قل له يجوز، قد أذنت له. قال: فخرجت وقلت له: بسم الله، فدخل على الشيخ، فبكى وقبَّل يده، وتاب إلى الله تعالى، وعاد إلى الموصل، وأقام مدة يسيرة، ومات يوم الأحد ثالث صفر، ولم يبلغ ثلاثين سنة، وكانت ولايته عشر سنين وشهورًا. وأراد أن يعهد إلى ابنه سنجر شاه، فامتنع أخوه عز الدين مسعود من ذلك، وقال له مجاهد الدين قيماز وأكابر الأمراء: قد علمت استيلاء صلاح الدين على البلاد وقربه منا، وسنجر شاه صبي لا رأي له، وأخوك عز الدين كبير السن، صاحب رأي وشجاعة، فاعهد إليه واجعله وصيًا على أولادك، ففعل. وكانت الرعية قد خافت من عز الدين مسعود؛ لإقدامه على سفك الدماء وحدَّته. فلما ولي تغيرت أخلاقه، فصار رفيقًا بالرعية، قريبًا منهم، محسنا إليهم. ولما مات سيف الدين كان صلاح الدين في حدود الروم، فأرسل إليه مجاهد الدين قيماز الفقيه أبا شجاع بن الدهان البغدادي (١)، فطلب منه أن يكون مع عز الدين، كما كان مع أخيه سيف الدين، ويبقى عليه الجزيرة وما بيده من حران والرها والرقة وخابور ونصيبين وقاطع الفرات، فقال صلاح الدين: أما ما خلف له من بلاد الموصل فهو باق على حاله، وأما ما ذكره من بلاد الجزيرة فإنما كانت بيده بشفاعة الخليفة، على شرط أن يقوى ثغور المسلمين بالمال والعساكر، أما الآن فالخليفة قد فوَّض أمرها إلىَّ، لا أفعل "فيها" (٢) إلا ما أراه من المصلحة.

الملك المعظم توران شاه؛ مات في هذه السنة. وقال ابن كثير (٣): السلطان الأكبر الملك المعظم شمس الدولة (٤) توران شاه بن أيوب، الذي افتتح بلاد اليمن عند أمر أخيه السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، فمكث فيها حينًا، واقتني


(١) أبو شجاع بن الدهان: هو أبو شجاع محمد بن على بن شعيب المعروف بابن الدهان، والملقب فخر الدين، البغدادي الفرضي، توفي سنة ٥٩٠ هـ/ ١١٩٤ م. انظر: وفيات الأعيان جـ ٥، ص ١٢ - ١٣.
(٢) ما بين الأقواس ساقط من نسخة ب.
(٣) البداية والنهاية، جـ ١٢، ص ٣٢٧.
(٤) "شمس الدين توران شاه" كذا في نسختى المخطوطة أ، ب. والمثبت من وفيات الأعيان، جـ ١، ص ٣٠٦؛ البداية والنهاية جـ ١٢، ص ٣٢٧؛ الروضتين جـ ٢ ق ١، ص ٥٦ - ٥٨؛ زامباور: معجم الأنساب والأسرات الحاكمة، جـ ١، ص ١٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>