للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفى المرآة (١): نازل صلاح الدين حلب في سادس عشر المحرم، ونزل بالميدان الأخضر، وباشر القتال بكرة وعشيا، وزحف يوماً أخوه تاج الملوك بورى فجاءه سهم في عينه فوقع مريضاً، فمات في الثالث والعشرين من صفر. ثم علم عماد الدين زنكى أنه لا طاقة له به، وقال لحسام الدين طُمان: أخرج إلى صلاح الدين وسله في الصلح. فخرج سراً ولم يعلم به أحد، فقرر الصلح وأن يرد عليه سنجار وأعمالها والخابور ونصيبين، وأنه يسلم إليه قلعة حلب، وعلم الناس، فأصبح، وخرجوا إلى صلاح الدين فخلع عليهم. وجعل أهل حلب تحت القلعة إجَّانة (٢). وثياباً وصابوناً، وصاحوا على عماد الدين [٦]:

يا فاعل يا صانع انزل فاغسل الثياب مثل [المخانيث] (٣) ما يصلح لك غير هذا، وعملوا فيه الأشعار وغنوا بها في الأسواق:

وبعتَ بسنجارَ خيرَ القلاع … ثَكَلْتُكَ من بائعٍ مشترِى (٤).

فلما كان اليوم الثالث والعشرون (٥) من صفر توفى تاج الملوك أخو السلطان فحزن عليه حزناً عظيماً وجلس للعزاء وكان يبكى ويقول: "ما وفَّت حلب بشعرة من أخى"، وقيل إنه قال: "ما غلت حلب ببورى". والأول أليق بالسلطان؛ لأنه ما كان في البيت مثل بورى. وسار عماد الدين إلى سنجار وأقام السلطان بالمخيم غير مكترث بحلب؛ لما جرى عليه من وفاة أخيه، ثم صعد القلعة سلخ صفر فأنشده القاضى زكى الدين محمد ابن على القرشى قاضى قضاة دمشق أبياتاً منها:

[وفتحكم] (٦) حلبًا بالسيف في صفر … مبشر بفتوح القدس في رجب

فعجب الناس من رمية من غير رام، فكان كما قال ولكن بعد أربع سنين. وهو الذى خطب بالقدس لما فتحه السلطان. وولى السلطان القضاء بحلب محيى الدين بن زكى الدين، والقلعة سيف الدين أركس، والديوان ناصح الدين إسماعيل بن العميد، وأعطى


(١) نقل العينى هذا النص بتصرف من مرآة الزمان، جـ ٨، ص ٢٣٩.
(٢) الإِجَّانة: المِركَن وهو شبه لقن تُغسل أو تقصر فيه الثياب. والجمع: أجاجين. انظر: محيط المحيط.
(٣) "المخانثة" كذا في الأصل. والمثبت من مرآة الزمان، جـ ٨، ص ٢٤٠ حيث ينقل العينى عنه.
(٤) "كتلتك" في مرآة الزمان، جـ ٨، ص ٢٤٠. وقد اتفق نص العينى مع ما ورد في النجوم الزاهرة، جـ ٦، ص ٩٥.
(٥) ذكر سبط ابن الجوزى أن تاج الملوك توفى في العشرين من صفر سنة ٥٧٩ هـ، بيد أن بقية المصادر ذكرت أنه توفى يوم ٢٣ صفر، انظر: وفيات الأعيان، جـ ١، ص ٢٩٢؛ النوادر السلطانية، ص ٥٩ - ٦٠؛ مفرج الكروب، جـ ٢، ص ١٤٣ - ١٤٦.
(٦) "وفتحه" كذا في الأصل. والمثبت من مرآة الزمان، جـ ٨، ص ٢٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>