ومنها مشاركته في لقب الخليفة بالناصر، وأشياء من هذا الجنس، ثم قال في آخره:"يمنّ علينا بفتح القدس، وهل فتحها إلا بعساكر الديوان وتحت راياته! ". فاستشاط السلطان غضبًا، وقد كان يرجو أن يأتيه كتاب الخليفة يشكره على ما فعل. ثم قال السلطان لأخى العماد: أما ابن البوشنجي فمن عندكم جاء، وقيل لي: إنه من بيت كبير. وصحبني وسألني إنفاذه إلى بغداد ليمَّن على أهله ويتجمل بكم، فما أمكنني رد سؤاله، وأما الذين التجؤا إلىَّ من أرباب البيوت فإن الإنسان قد يلتجيء إلى كوخ عجوز في البرية فتجيره من القتل، فأنا فعلت فعل العرب، وحفظت الذمام، وعرفت حق من قصدني ولجأ إلى، وصنتهم أيضًا عن ألسن الناس، فيصير ذلك عارًا عليكم. وأما مشاركتي في اللقب فوالله إنني ما اخترته ولا اقترحته، ولكن لما أَزلتُ دولة عدوّه القائمة من مائتي سنة (١) ويسير، وفعلت ما فعلت، لقبنى المستضيء بهذا اللقب، وكتبَ من بغداد إلى نور الدين بذلك، ولم يكن في زمانكم، ثم لو وقع هذا ففي عسكري عشرة آلاف تركماني وكردي لقب كل واحد صلاح الدين، فلمَ لا أُنكر عليه. وأما قوله: إنني فتحت القدسَ تحت راياته وعسكره، فأين راياته وعسكره! والله ما فتحته إلا بعساكري وتحت راياتي. وأوعد السلطانُ وأبرق، وتأكدت الوحشة بَينه وبين الخليفة باطنًا، وأمسك السلطان نفسه ظاهرًا، فكتب كتابًا إلى الخليفة يقول فيه: المحاققة توجب المفارقة، وإغلاق هذا الباب خير من فتحه، واندمال هذا الجرح خير وأولى من اتساعه وخرقه.
وقال السبط: وقد ذكر محمد بن القادسي قصة ابن البوشنجي فقال: كان [٤٨] أمرد في دروب بغداد، فطلعت لحيته فخرج إلى الشام، فخدم يوسف بن أيوب، وسأله أن يرسله إلى الديوان في رسالة فأرسله، فقامت القيامة على الديوان، فلما عاد ابن البوشنجي إلى الشام أكثر كلامه، فما مضى إلا أسبوع حتى جاءته نشابة فذبحته، وكان ذلك عقوبة لما بسط به لسانه. قلت: وهذه من هنات ابن القادسيّ، فإنه كان عاميًا يتعمد المثالب، وقد أساء الأدبَ في مواضع منها قوله: كان أمرد في دروب بغداد.
ومنها قوله على السلطان يوسف بن أيوب، وما ذكره ببعض ألقابه.
(١) من المعروف أن الدولة الفاطمية قامت في بلاد المغرب في ذي الحجة سنة تسع وتسعين ومائتين ٢٩٩ هـ، وقد استمر مقامهم بمصر مائتي سنة وثماني سنين. انظر: الباهر، ص ١٥٧؛ وفيات الأعيان، ج ٧، ص ١٥٨.