للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من جمادى الأولى من هذه السنة ببغداد، ودفن في الشونيزية إلى جانب سمنون بن حمزة مقابل قبر جنيد -رضي الله عنه-، وفرّق كتبه على أصحاب الحديث، ونسبته إلى جدّه حازم بالحاء المهملة والزاي المعجمة (١).

الشيخ محمد بن قائد الزاهد (٢)، من أهل أوَانا (٣) قرية بالدُجَيْلُ (٤)، وكان صاحب كرامات وإشارات ومجاهدات ورياضات وكلام على الخواطر وبيان عما في الضمائر، وكان يجتمعُ عنده في المواسم خلق عظيم، وكان قد أُقعِد زمانًا، وكان يُحمل في محفة إلى الجامع يوم الجمعة، واستشهد في هذه السنة على يدي اثنين من الإسماعيلية أرسلهما سِنان (٥) إليه في زىّ الصُوفية، وقتلا معه تلميذه عبد الحميد، وكان سبب ذلك أن شخصًا يُقال له زَرزُور أتى إلى جامع أُوانا فوعظ فيه وسبّ الصحابة، فبلغ الشيخ ذلك فأمر العوام فرجموه، وهرب إلى سنان مقدّم الإسماعيلية وحكى له ذلك، فأرسل سنان اثنين وأتيا وأقاما عند الشيخ بالرباط (٦) تسعة أشهر يَصُومان ويصليان وهو لا يعرفهما، وكانا يتوقعان فرصةً، وقال الشيخ لأصحابه: يوم الأربعاء تَحْدُثُ ها هنا حادثة عظيمة. وكان عنده ودائع الناس فردّها على أصحابها، وقال لخادمه عبد الحميد: لك فيما يجري ها هنا نصيب.

ولما كان يوم الجمعة جاء أحد الاثنين إلى الرباط فأغلق بابه، وجاء الآخر إلى الشيخ فقال: يا سيدي ناولني يدك لأقبلها، فأعطاه يده فصافحه باليسار، فقال: ويحك أين اليمين؟!. فقال: هو ذا، فأخرج يده اليمنى وفيها السكين فضربه بها في جوفه،


(١) انظر ترجمته في: وفيات الأعيان، ج ٤، ص ٢٩٤ - ٢٩٥؛ الروضتين، ج ٢، ص ١٣٧؛ شذرات الذهب، ج ٤، ص ٢٨٢؛ العبر في خبر من غبر، ج ٤، ص ٢٥٤.
(٢) هو محمد بن يوسف بن محمد بن قائد الملقب موفق الدين الإربلي. انظر ترجمته في المختصر في أخبار البشر، ج ٣، ص ٧٧ - ص ٧٨.
(٣) أوَانَا: بليدة كثيرة البساتين والشجر، نزهة من نواحي دُجَيْل بغداد، بينها وبين بغداد عشرة فراسخ من جهة تكريت. معجم البلدان، ج ١، ص ٣٩٥.
(٤) دُجَيْلُ: اسم نهر في موضعين، أحدهما مخرجه من أعلى بغداد، بين تكريت وبينها، مقابل القادسية دون سامرّا، فيسقي كورة واسعة وبلادًا كثيرة منها، أوانا وعُكبْرا والحظيرة وصريفين، ثم تصبُّ فضلته في دجلة أيضًا. معجم البلدان، ج ٢، ص ٥٥٥.
(٥) هو راشد الدين أبو الحسن سنان بن سليمان مقدم الإسماعيلية ت سنة ٥٨٨ هـ. انظر ترجمته في شذرات الذهب، ج ٤، ص ٢٩٤ - ٢٩٥.
(٦) الرباط: جمعها ربط. وهو دار يسكنها أهل طريق الله، وهو بيت الصوفية ومنزلهم، والمقيم في الرباط على طاعة الله ينتظر الصلاة بعد الصلاة، فالرباط جهاد النفس، والمقيم في الرباط مرابط مجاهد نفسه. انظر المقريزي: الخطط، ج ٢، ص ٤٢٧ (ط. بولاق).

<<  <  ج: ص:  >  >>