للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي مقدم القلب الفقيه عيسى وجمعُه هذا، والسلطان يطوف على الأطلاب بنفسه يحثهم على القتال، ويدعوهم إلى النزال، ويرغبهم في نصرة دين الله.

ولم يزل القوم يتقدمون، والمسلمون يقدمون حتى علا النهار، ومضى منه مقدار أربع ساعات، وعند ذلك تحركت ميسرة العدو على ميمنة المسلمين، وأخرج لهم الملك المظفر الجاليش، وجرى بينهم قلبات كثيرة، وتكاثروا على الملك المظفر -وكان في طرف الميمنة على البحر- فتراجع عنهم شيئا، إطماعًا لهم لعلهم يبعدون عن أصحابهم، فينال منهم غرضا، فلما رآه السلطان قد تأخر ظن به ضعفا، فأمده بأطلابٍ عدةٍ من القلب حتى قوى جانبه، وتراجعت ميسرة العدو [٧٣] واجتمعت على تَلّ مشرف على البحر.

ثم جاءت منهم حملة على عسكر ديار بكر، وكانت بهم غرة عن الحرب، فلم يصبروا وانكسروا كسرةً عظيمة، وسري كسرهم إلى انكسار معظم الميمنة، واتبع العدو المنهزمين إلى العياضيّة، وصعدت طائفة منهم إلى خيم السلطان، فقتلوا طشت دار (١) كان هناك. وفي هذا اليوم استشهد إسماعيل المكبِّس (٢) وابن رواحة (٣). وأما الميسرة فإنها ثبتت، فإن الحملة لم تصادمها.

وأما السلطان فإنه أخذ يطوف الأطلاب يُنهضهم ويحثهم على الجهاد، وينادي فيهم "يأل الإسلام"، ولم يبق معه إلا خمسة أنفس، وهو يطوف على الأطلاب، ويتخارق الصفوف، ثم أوى إلى تحت التل الذي كان عليه الخيام. وأما المنهزمون، فإنهم بلغوا إلى الأُقحوانة (٤)، فقطعوا جسر طبريّة، وقوم وصلوا إلى دمشق.

وأما المُتبعون فاتبعوهم إلى العياضيّة، ثم رجعوا عنهم، وقتلوا في الطريق جماعة من الغلمان والخاربنديّة (٥) والساسة المنهزمين، ثم جاءوا على رأس السوق، فقتلوا


(١) الطشت دار: هو غلام الطشت خاناه، والطشت خاناه هي بيت الطشت، وهي لفظه عامية وصوابه الطست. وهي كلمة معرفة عن الفارسية، وهي كل أنواع الأواني الخاصة بالسلطان. انظر القلقشندي، صبح الأعشى، جـ ٤، ص ١٠ - ص ١١.
(٢) هو: إسماعيل الصوفي الأرموي المكبس. الفتح القسى، ص ٣١٨.
(٣) هو: الحسين بن عبد الله بن رواحة بن إبراهيم بن عبد الله بن رواحة أبو علي الأنصاري الحموي ولد بحماة انظر، ياقوت: معجم الأدباء، جـ ١٠، ص ٣١٨، تحقيق، فريد رفاعي.
(٤) الأقحوانة: موضع بالأردن من أرض دمشق على شاطئ بحيرة طبرية. انظر: معجم البلدان، جـ ١، ص ٣٣٤.
(٥) الخاربنديّة: لفظ فارسي يعني الحمّار أو المكاري.

<<  <  ج: ص:  >  >>