للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جماعةً وقتل منهم جماعة أيضا فإن السوق كان فيه خلق عظيم، ولهم سلاح. ثم لما رأوا أن الميسرة الإسلامية ثابتة علموا أن الكسرة لم تتم، فعادوا منحدرين من التل يطلبون عسكرهم.

وأما السلطان فإنه كان واقفا تحت التلّ ومعه نفر يسير، وهو يجمع الناس ليُعودوا إلى الحملة على العدو، ولما رآهم نازلين من التل أرادُوا لقاءهم، فصبّرهم السُلطان إلى أن ولّوا ظهورهم، فحملوا عليهم، وعاد الملك المظفر بجمعه من الميمنة، وتراجع الناس من كل جانب، فنصر الله الإسلام، وظل الناس في قتل وضرب وجرح، إلى أن اتصل المنهزمون السالمون إلى عسكر العدو، ثم رجع الناس عنهم بعد صلاة العصر، يخوضون في القتلى وهم فرحون مسرورون. وعاد السلطان إلى خيمته في ذلك اليوم فرحا مسرورا، فافتقدوا المسلمين، فكان مقدارُ ما فقد من الغلمان والمجهولين مائة وخمسين نفرا، ومن المعروفين استشهد ظهير الدين -أخو الفقيه عيسى- وكان قد وقع من فرسه، وقتل عليه جماعة من أقاربه، وقتل أيضا الأمير مجليّ، هذا الذي قتل من المسلمين.

وأما من العدو فحرز سبعة آلاف نفر. قال الراوي (١): ورأيتهم وقد حملوا إلى شاطئ النهر ليلقوا فيه، فحرزتهم دون سبعة آلاف.

ثم أن السلطان سارع في الكتب والرسل في رَدّ المنهزمين من المسلمين، حتى ردّوا البعض من عقبة فيق (٢). وكان الغلمان والحواشي نهبوا أموال الناس، فأمر السلطان بجمع ذلك كله، وأمر بالنداء بالوعيد والتهديد، فأحضروا شيئا كثيرا حتى صار بين يدي السلطان مثل التل، ثم أمر بردها على أصحابها، وصار مَن عرف شيئا وأعطي علامته أعطاه، وكان ذلك يوم الجمعة الثالث والعشرين من شعبان.

ثم تحول السلطان إلى موضع يقال له الخروبة، وهو موضع قريب من مكان الوقعة، ونزل هناك يوم السبت الرابع والعشرين منه، ثم في سلخ الشهر [٧٤] جمع أعيان عسكره وقال: إن هؤلاء الكفار قد نزلوا في بلادنا، ووطئوا أرض الإسلام، ولا بد من الاهتمام بقلع هؤلاء، والله قد وجب علينا ذلك، وأنتم تعلمون أن هذه عساكرنا وليس وراءنا نجدة


(١) يقصد بالراوي هنا ابن شداد.
(٢) عقبة أفيق، والعامة تقول فيق، وهذه العقبة ينزل منها إلى الأردن، وهي عقبة طويلة، معجم البلدان، ج ١، ص ٣٣٢ - ٣٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>