للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها أنه لما هجم الشتاء، وهاج البحر، آمنت أهل عكا من أن يبالغ في الحصار، وذلك من شدة الأمطار وتواترها، فعند ذلك أذن السلطان -رحمه الله- للعساكر الإسلامية في العود إلى بلادهم، ليستريحوا ويُريحوا خيولهم إلى وقت العمل، فكان أول من سار عماد الدين صاحب سنجار، لما كان عنده من القلق في طلب الدستور، وكان مسيره يوم الاثنين الخامس عشر من شوال، وسار عقيبه في ذلك اليوم ابن أخيه سنجر شاه [١٠١] صاحب الجزيرة، وذلك بعد أن أفيض عليهما من التشريف والأنعام والتحف بما لم ينعم بها على غيرهما.

وسار علاء الدين ابن صاحب الموصل في مستهل ذي القعدة من هذه السنة (١) مشرّفا مكرما، معه التحف والطرائف. وتأخر من العساكر الملك المظفر تقي الدين إلى أن دخلت سنة سبع وثمانين، وتأخر أيضا ولد السلطان الملك الظاهر غازي صاحب حلب، إلى أن سار إلى حلب ضاحي نهار الأربعاء تاسع المحرم في السنة الآتية، وسار الملك المظفر في ثالث صفر من السنة الآتية، وهي سنة سبع وثمانين.

ثم اشتغل السلطان بإدخال البدل في البلد (٢)، وأخرج من كان بها من الأمراء الذين طال شكواهم إلى السلطان من طول الحصار، وملازمة القتال ليلا ونهارا، وأمر السلطان بإدخال المير والذخائر والنفقات والعدد إليها، وكان المقدم بها يومئذ الأمير حسام الدين أبو الهيجاء، فخرج هو وأصحابه ومن كان بها من الأمراء، وكان مقدم الداخلين من الأمراء الأمير سيف الدين على [بن] (٣) المشطوب، وكان دخولهم في يوم الأربعاء السادس عشر من المحرم من السنة الآتية، وأخذ كل أمير معه ميرة سنة كاملة. وانتقل الملك العادل بعسكره إلى حَيْفا على شاطئ النهر، وهو الموضع الذي تحمل منه المراكب وتدخل إلى البلد وإذا خرجت تخرج إليه، فأقام ثمة يحث الناس على الدخول ويحرس المير والذخائر، لئلا يتطرق إليها من العدو من يتعرض لها، وكان مما دخل إليها سبع بُطس مملوءة ميرةً وذخائر ونفقات، كانت وصلت من مصر، وكان السلطان قد عبأها في مدة مديدة، وكان دخولها يوم الاثنين الثاني من ذي الحجة من هذه السنة أعني ست وثمانين.


(١) ورد هذا الخبر في النوادر السلطانية، ص ١٥٢ - ١٥٣.
(٢) يقصد بالبلد هنا إمارة عكا.
(٣) ما بين حاصرتين مثبت من الكامل، جـ ١٠، ص ١٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>