للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- وركب العساكر، وضايقهم السلطان من خارج، وزحف عليهم حتى هجم المسلمون عليهم في خيامهم، وتجاوزوا خنادقهم، وأخذوا القدور من أثافيها (١). وحضر من الغنيمة المأخوذة عند السلطان شيء.

ولم يزل القتال يعمل حتى أيقن العدوّ أنهم قد هُجم عليهم وأُخذوا، فتراجعوا عن قتال البلد، وشرعوا في قتال العسكر، وانتشب الحرب بينهم، ولم تزل حتى قام قائم الظهيرة، وغشى الناس من الحر أمرٌ عظيم من الجانبين، فتراجعت الطائفتان إلى خيامهم، وقد أخذ منهم التعب والحر، وانقضى القتال في ذلك اليوم (٢).

الثانية: كانت يوم الاثنين الثالث والعشرين من جمادى الأولى، فدقوا الكوس على عادتهم، فجاوبه كوس السلطان، وثار القتال بين الطائفتين، ولَجّ العدوّ في مضايقة البلد ثقةً منهم أن المسلمين لا يهجمون على خيامهم، وأنهم يهابونهم. فكذَّب العسكر ظنونهم وهجموا على الخيام أيضاً ونهبوا منها، فتراجعوا إلى قتال المسلمين، ولُحق من المسلمين جماعة عظيمة داخل خنادقهم وأسوارهم، وجرت بينهم وقعة عظيمة قتل فيها اثنان من المسلمين، وجرحت جماعة، وقتل جماعة من الإفرنج.

وقال قاضى القضاة بهاء الدين: أعجب ما في هذه الوقعة أنه كان وصل ذلك [اليوم] (٣) رجل كبير مذكور من أهل مازندران (٤) يريد الغزاة، فوصل والحرب قائمة، فلقى السلطان واستأذنه في الجهاد، وحمل حملة عظيمة استشهد فيها في تلك الساعة. ولما رأى الإفرنج دخول المسلمين إلى خنادقهم وتوغلهم إلى داخل أسوارهم، حركتهم الحمية، وبعثتهم النخوة، فخرجوا إلى ظاهر أسوارهم، وحملوا على المسلمين حملة الرجل الواحد فثبت المسلمون لهم ثباتاً (٥) عظيماً، لم يتحركوا عن أماكنهم. والتحم القتال من الجانبين، وصبر المسلمون صبر الكرام، ودخلوا في الحرب بالاقتحام.


(١) أثافيها: جمع أثفية، وهى الحجر يوضع عليها القدر. انظر: المعجم الوجيز، ص ٦.
(٢) انظر: النوادر السلطانية، ص ١٦٢؛ الفتح القسى، ص ٤٨٨ - ٤٨٩.
(٣) ما بين الحاصرتين مثبت من النوادر السلطانية، ص ١٦٣ لاستقامة المعنى.
(٤) مَازَنْدَرَان: اسم لولاية طبرستان، وذكر ياقوت أنه اسم محدث لها وأنه لم يره مذكوراً في كتب الأوائل. انظر: معجم البلدان، جـ ٥، ص ٤١. ط. دار صادر. بيروت.
(٥) "ثبوتًا" في النوادر السلطانية، ص ١٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>