للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذين القسمين يكون لهما "قُسوس" (١) في "بيع (٢) " القدس الشريف وكنائسه، وشرح لهم السلطان هاتين القاعدتين، وأخذ رأيهم في ترجيح أحد القسمين وهما من جانب ملك الإنكتار ومن جانب المركيس. فرأى أرباب الرأى أنه إن كان صلح فليكن مع ملك الإنكتار، فإن مصافاة الفرنج للمسلمين بحيث يخالطونهم بعيدة [١٣٢]، وصحبتهم غير مأمونة. وانفض الناس، وبقى الأمر مترددًّا في الصلح، والرسل تتواصل في تقرير قواعد الصلح؛ وهي أن ملك الإنكتار كان قد بذل أخته للملك العادل بطريق التزويج، وأن تكون البلاد الساحلية والفرنجية لهما، أما الفرنجية فلها من جانب الملك، وأما الإسلامية فللملك العادل من جانب السلطان. وكان آخر رسائلهم من الملك أن قال: "إن معاشر دين النصرانية أنكروا علىَّ كون أختي تحت مسلم بدون مشاورة الباب، وهو كبير دين النصرانية ومقدمه، وها أنا أسير إليه رسولا يعود في ستة أشهر، فإن أذن في ذلك فبها ونعمت، وإلا زوجتك ابنة أختي، وما أحتاج في ذلك إلى إذن الباب".

هذا كله وسوق الحرب قائم والقتال عمال، وصاحب صيدا يركب مع الملك العادل في الأحيان، ويشرف على الإفرنج وقتال المسلمين لهم، وكلما رآه الإفرنج مع الملك العادل تحركوا للصلح؛ خوفًا من انكسار الشوكة لهم. ولم يزل الحال كذلك إلى يوم الجمعة الخامس والعشرين من شوال، ففي يوم الجمعة أصبح السلطان عازمًا على الرحيل، وسار إلى تل الجزر لارتياد المنزل، فنزلت الناس كلهم مع السلطان، ولما عرف الإفرنج بعود السلطان رحلوا عائدين، وأقام السلطان بتل الجزر، ثم وصل إلى جهة القدس الشريف، ورحل الإفرنج إلى بلادهم. واشتد الشتاء وعظمت الأمطار، وأعطى السلطان دستورًا للعسكر، وأقام بالقدس في هذا الشتاء أجمع، ونزل السلطان في دار القساقس قريبًا من القمامة، وكان نزوله في ذي القعدة من هذه السنة، وشرع في تحصينه وتعميق خنادقه، وعمل فيه بنفسه وأولاده وأمرائه، وعمل القضاة والعلماء والصوفية بأنفسهم، وكان وقتًا مشهودًا، واليزك حول البلد من ناحية الإفرنج، وفي كل وقت يستظهرون على الإفرنج ويقتلون منهم ويأسرون ويغنمون. وانقضت السنة والأمر على ذلك، وأرصد ملك الإنكتار في يافا عساكر، ثم عاد إلى عكا لينظر في أحوالها وأقام مدة.


(١) في الأصل "أقساء". والمثبت هو الصحيح لأن القس جمعها قسوس.
انظر: المنجد، مادة "قس".
(٢) البِيعَةُ: معبد النصارى وجمعها بِيَعٌ. انظر: المعجم الوجيز، مادة "بيع".

<<  <  ج: ص:  >  >>