للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها أن في يوم السبت التاسع عشر من شوال، حضر صاحب صيدا بين يدي السلطان ومعه جماعة، وأكرمه السلطان إكراما عظيما، وقدم بين يديه طعامًا، ولما رفع الطعام "خلا" (١) بهم، وكان من حديثه أن السلطان يصالح المركيس صاحب صور، وقد انضم إليه جماعة من أكابر الإفرنج، وكان من شرط الصلح معه إظهار عداوته للإفرنج البحريّة، وبذل له السلطان موافقة على ذلك.

ومنها أن في عشية ذلك اليوم، وصل رسول ملك الإنكتار وهو ابن الهنفرى، وهو من أكابرهم وملوكهم، ومن أولاد ملوكهم، وفي صحبته شيخ كبير ذكروا أن عمره مائة وعشرون سنة، فأحضره السلطان، وكانت رسالته أن الملك يقول: "إني أحب صداقتك ومودّتك، وأنت قد ذكرت أنك أعطيت هذه البلاد الساحلية لأخيك، فأريد أن تكون حكمًا بيني وبينه، وتقسم البلاد بيني وبينه، ولابد أن يكون لنا علقة بالقدس، ومقصودي أن تقسم البلاد بحيث لا يكون عليك لوم من المسلمين، ولا علىَّ لوم من الإفرنج"، فأجابه في الحال بوعد جميل، ثم أذن لهم بالعود في الحال.

قال قاضي القضاة بهاء الدين -رحمه الله -: ثم التفتَ إلىَّ السلطانُ في المجلس وقال لي: "متى صالحناهم لم نأمن غائلتهم، فإني لو حدث بي حادث الموت لا تكاد تجتمع هذه العساكر، وتقوى الإفرنج، والمصلحة الثبات على الجهاد حتى نخرجهم من الساحل أو يأتينا الموت". هذا كان رأيه وغرضه -رحمه الله (٢).

ولما كان يوم الاثنين "الحادي والعشرين (٣) " من شوال، جمع السلطان الأمراء الكبار وأرباب المشورة في الدولة، وذكر لهم القاعدة التي التمسها المركيس واستقر الأمر من جانبه عليها، وهي أخذ صيدا، وأن يكون معنا على الفرنج، ويقاتلهم ويجاهرهم بالعداوة، وذكر لهم القاعدة التي التمسها ملك الإنكتار؛ وهي أن يكون له من القرايا الساحلية مواضع معينة، وتكون لنا الجبليات بأسرها، وتكون القرى كلها مناصفة، وعلى


(١) في الأصل "خلى"، والتصحيح من النوادر السلطانية، ص ٢٠٢.
(٢) نقل العيني هذا القول بتصرف من النوادر السلطانية، ص ٢٠٢ - ٢٠٣.
(٣) "حادي عشر في النوادر السلطانية، ص ٢٠٣. وهو سهو من الناسخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>