للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رُدّوا الرأس وخذوا أصغر منه، فإن هذا ما عرف يبيعكم، يساوي هذا الرأس أكثر من هذا. فتقولنا نحن وإياه، فلما عرف الشيخ ذلك قال لنا: خذوا الرأس وامشوا وأنا أقفُ معه وأرضية، فتقدمنا نحن وبقى شيخنا يتحدث معه ويطيب قلبه، فلما أبعدنا قليلًا تركهـ وتبعنا، وبقى التركماني يمشي خلفه ويصيح به وهو لا يلتفت عليه، ولما لم يكلمه لحقه تغيظ، وجذب يده اليسرى وقال: أين تروح وتخليني؟ وإذا بيد الشيخ قد انخلعت من عند كتفه وبقيت [١٣٥] في يد التركماني ودمهما يجرى، فبهت التركماني، وتحيّر في أمره ورمى اليد وخاف، فرجع الشيخ وأخذ تلك اليد بيده اليمنى ولحقنا، وبقي التركماني راجعًا وهو يلتفت إليه حتى غاب عنه، ولما وصل الشيخ إلينا رأينا في يده اليمني منديلًا لا غير. وقال ابن خلكان: ويحكى عنه مثل هذا أشياء كثيرة، والله أعلم بصحتها. وله تصانيف، من ذلك كتاب "التنقيحات في أصول الفقه"، وكتاب "التلويحات"، وكتاب "الهياكل"، وكتاب "حكمة الإشراق" وغير ذلك، وتنسب إليه أشعار، ومن شعره المذكور ما يستعمله المنشدون في المجالس وهو قوله:

أبدًا تَحِنُّ إليكم الأرواحُ … ووصالكُم ريحانُها والرَّاحُ

وقلوبُ أهلِ ودادِكم تشتاقكم … وإلى لذيذ لقائكُم (١) ترتاحُ

وارَحْمتا للعاشقين تَكَلّفوا … سَتْرَ المحبّة والهوى فَضَّاحُ

بالسِّر إن باحُوا تُباحُ دِماؤهم … وكذا دماءُ البائحين تُباحُ

وإذا هُم كتموا تحدّث عَنهُم … عِند الوُشاةِ المدمَعُ السفّاحُ

وَبَدَت شواهِدُ للسِّقام عليهم … فيها لِمُشكل أمرهم إيضاحُ

خفض الجناح لكُم وليس عليكُم … للصَبِّ في خَفْضِ الجَنَاحُ جُنَاحُ

فإلى لقاكم نفسُه مرتاحةً … وإلى رضاكُم طَرْفُه طَماحُ

عودوا بنور الوَصل من غَسَقِ الجوى … فالهجرُ لَيْلٌ والوِصالُ صَباحُ

صافاهُمُ فصفوا له فقلوبُهم … في نورها المِشكاةُ والمِصْبَاحُ

وتمتعوا فالوقت طابَ بقربكم … رَاقَ الشَّرابُ ورّقت الأقداحُ


(١) "لقياكم" كذا في الأصل. والمثبت من وفيات الأعيان، جـ ٦، ص ٢٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>