للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صبرا بين يديه. وتقهقر السلطان من منزلة الحصار إلى ما ورائها، خوفا على الجيش من معرّة الفرنج. فجعل ملك الإنكتار يتعجب من شدة سطوة السلطان! كيف فتح مثل هذا البلد العظيم في يومين، وغيره لا يمكنه فتحه في عامين. ثم ألح في طلب الصلح، على أن تكون عسقلان داخلة في الصلح، فامتنع السلطان في ذلك أشد الامتناع (١).

وفى المرآة: أقام السلطان بالقدس حتى تيقن وصولهم إلى عكا، وخرج فنزل على يافا وحاصرها، وتعلق النقابون في الأسوار، وملك المدينة وأشرفوا على أخذ القلعة، فصاح أهلها الأمان، ونهب المسلحون البلد. فوقف مماليك السلطان على الأبواب، كل من خرج ومعه شيء أخذوه، وعز ذلك على الأمراء والأكراد وسلموا القلعة، وبعث السلطان إليها جماعة من أصحابه، وبقى فيها من الفرنج أربعون رجلاً. وبينما هم كذلك إذ لاحت مراكب كثيرة فتوقفوا، وقويت نفوس الإفرنج الذين في القلعة، وعلموا أنها مراكب الإنكتار، فرمى واحد نفسه في الماء وسبح إليهم، وقال: تقدموا فارسوا إلى الميناء - وكانت خمسة وثلاثين مركبًا - فهرب المسلمون من البلد.

وتأخر السلطان إلى يازُور (٢)، وجاء ملك الإنكتار فنزل في منزلة السلطان، ولم يكن معه سوى عشرين فارسًا، وثلاثمائة راجل، وعشرين خيمة، والسلطان في ألوف. فبعث إلى السلطان يقول: أنت سلطان عظيم، ومعك هذا الجيش الكثير، ومعظم عساكر المسلمين، فكيف رحلت عن منزلتك عند وصولى وليس معى (٣) واحد؟ فغضب السلطان وبات على غضب، فلما أصبح ركب وركبت العساكر، وملك الإنكتار ما زال على حاله لم يصل إليه من الإفرنج أحد، فحمل إليه المسلمون وهو في عشرين فارسا وثلاثمائة راجل، فلم يتحرك. فعظم على السلطان وصاح بالأطلاب: ويحكم، وكم معه وأنتم عشرة آلاف وزيادة. فلم يجبه أحد، وقال له الجُناح (٤): قل لعلوقك الذين ضربوا الناس بالأمس وأخذوا كسبهم. ويقال إن ملك الإنكتار أخذ رُمحه وحمل من طرف


(١) نقل العينى هذا النص باختصار شديد من النوادر السلطانية، ص ٢٢٢ - ٢٢٧؛ الفتح القسى، ص ٥٩٨ - ٦٠٠، ص ٦٠٨؛ مفرج الكروب، جـ ٢، ص ٣٩٤.
(٢) يا زُور: بليدة بسواحل الرملة من أعمال فلسطين الشام. انظر: معجم البلدان، جـ ٤، ص ١٠٠٢.
(٣) "عندى أحد" في مرآة الزمان، جـ ٨، ص ٢٦٧.
(٤) الجُناح: ذكر ابن الأثير أن الجناح أخو عماد الدين بن المشطوب بن على بن أحمد الهكارى. انظر: الكامل، جـ ١٢، ص ٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>