للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الميمنة إلى طرف الميسرة، فلم يُعْرِض أحد. وساق السلطان من غَبنة إلى النطرون، ونزل في خيمة صغيرة وحده وانفرد، فلم يتجاسر أحد أن يكلمه. وجاءت رسل الملك في طلب الصلح.

وفى تاريخ ابن كثير: لما كان ملك الإنكتار نازلاً في منزلة السلطان - على ما ذكرنا - كبس في بعض الليالى ملك الإنكتار وهو في سبعة عشر فارساً وقليل من الرجالة، فأوكب السلطان بجيشه حوله، وحصره حصراً لم يبق له منه نجاة لو صمم معه الجيش، ولكن هم نكلوا عن الحملة، فلا حول ولا قوة إلا بالله. وجعل السلطان يحرضهم غاية التحريض، فكلهم يمتنع كما يمتنع المريض من شرب الدواء. هذا وملك الإنكتار - لعنه الله - قد ركب في أصحابه وأخذ عدة قتاله وحرابه، واستعرض الميمنة من أولها إلى آخر الميسرة. فلا يتقدم إليه منهم أحد من الفرسان، ولا يهش في وجهه بطل من الشجعان، فعند ذلك كرّ السلطان راجعًا. ثم حصل لملك الإنكتار [١٥٠] بعد ذلك مرض شديد، وبعث إلى السلطان يطلب منه فاكهة وثلجًا، فأمَدَّه السلطان بذلك فتوة وكرمًا، ثم عوفى - لعنه الله - وتكررت رُسله إلى السلطان لأجل الصلح، وذلك لكثرة شوقه إلى بلاده، وعن قريب نذكر المراسلات واستقرار الصلح إن شاء الله تعالى (١).

وذكر في النوادر في فتح يافا ملخصه: أن السلطان رحمه الله بلغه في عاشر من رجب أن الإفرنج قد رحلوا طالبين نحو بيروت، فبرز من القدس إلى منزلة يقال لها الجيْب، وكان ولده الملك الظاهر غازى - صاحب حلب - قد قدم إليه يوم السبت الخامس من رجب، ثم رحل السلطان من الجيب إلى بيت نوبة، ثم رحل يوم الأحد ثالث عشر رجب إلى الرملة، فنزل بها ضحوة النهار على تلال بين الرملة ولد، وأقام بها بقية يوم الأحد.

ولما كانت صبيحة يوم الاثنين الرابع عشر من رجب، ركب جريدة حتى أتى يازُور وبيت دجُن وأشرف على يافا، ثم عاد إلى منزلته وأقام بها بقية يومه.

ولما كان صباح يوم الثلاثاء خامس عشره رحل إلى نحو يافا فخيم عليها، ورتب العسكر ميمنة وميسرة وقلبا، وكان صاحب الميمنة ولده الملك الظاهر، وصاحب الميسرة أخوه الملك العادل، والعساكر فيما بينهما. وزحفوا يوم السادس عشر، وأخذ


(١) نقل العينى هذا الخبر بتصرف من البداية والنهاية، جـ ١٢، ص ٣٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>