للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأحضروا رزاً بلبن وما يشبه ذلك، فأكل، وكنت أظن أن ما عنده شهوة؛ لأن بدنه كان ممتلئاً، فلما فرغنا قال: ما الذي عندك من خبر الحاج، فقلت: قد اجتمعت بجماعة منهم في الطريق ولولا كثرة الوحل تدخلوا اليوم ولكنهم في غد يدخلون. فقال: نخرج إن شاء الله إلى لقائهم. فقمت من عنده ولم أجد عنده من النشاط ما أعرفه منه، ثم بكر يوم الجمعة فركب للقاء الحاج وكان فيهم [سابق الدين، وقرالا الياروقي] (١)، وكان كثير الاحترام للمشايخ، ثم لحقه ولده الملك الأفضل، ثم رد إلى القلعة وكان آخر ركوبه رحمه الله.

ولما كانت ليلة السبت وجد كسلاً عظيماً، فما نصّف الليل حتى غشيته حمى صفراوية، وأصبح في يوم السبت السادس عشر من صفر وعليه أثر الحمى ولم يظهر ذلك للناس، فدخلت أنا والقاضي الفاضل وولده الأفضل عنده وطال الحديث بيننا وأخذ يشكو من قلقه بالليل، وطاب له الحديث إلى قريب الظهر ثم انصرفنا والقلوب عنده. ومدَّ الطعام في الإيوان وجلس الأفضل في موضعه، وبكى في ذلك اليوم جماعة لما رأوا موضعه خالياً وولده فيه، ثم أخذه مرضه يتزايد ونحن نلازم التردد في طرفي النهار، وأدخل أنا والقاضي الفاضل في النهار مراراً وكان طبيبه الذي ألف مزاجه به غائباً، وحضرت الأطباء فقصدوه فاشتد مرضه وقلت رطوبات بدنه، ولم يزل المرض يتزايد فاشتد في السادس والسابع والثامن، ولما كان التاسع حدثت به رعشة وامتنع من تناول المشروب واشتد الرجيف في البلد وخاف الناس ونقلوا الأقمشة من الأسواق وغشى الناس من الكآبة والحزن ما لا يوصف، ولما كان العاشر من مرضه حقن دفعتين وتناول من ماء الشعير مقدارا صالحاً، وفرح الناس فرحاً شديداً وأقمنا على العادة نتردد، ثم أصبحنا في الحادي عشر من مرضه وهو يوم الثلاثاء السادس والعشرين من صفر حضرنا الباب وسألنا عن حاله، فأخبر جمال الدولة إقبال أنه عرق حتى نفذ عرقه إلى الفرش ثم إلى الحصر ثم إلى الأرض، وإن اليبس قد تزايد عظيماً وضعفت قوته، ولما رأى ولده الأفضل ما حل به وتحقق اليأس منه شرع في تحليف الناس، فجلس في دار رضوان (٢) المعروفة بسكنه، واستحضر القضاة فعملوا نسخة يمين مختصرة تتضمن الحلف


(١) "سابق الدين الياروقي" كذا في الأصل. والتصحيح من النوادر، ص ٢٤٢.
(٢) نقل العيني هذه الأحداث بتصرف من النوادر، ص ٢٤٢ - ص ٢٤٥؛ الروضتين، جـ ٢، ص ٢١٢ - ص ٢١٣؛ مفرج الكروب، جـ ٢، ص ٤١٤ - ص ٤١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>