للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العام مرة أو مرتين بعوث نصره وجيوشه، والزمن قد وقرته السكينة لا الوجوم، والكواكب قد همت بأن تتساقط إيثار الطرب لا إيثار الرجوم، ونشأة الدعوة المنيعة قد أشبهت ولاية النبوة الشريفة، وقد طالع وزير أمير المؤمنين بتفصيل ما أجمله، وتحصيل ما منعته الجلالة أن يستوفيه ويستكمله، راجيا أن يناله من الملاحظات النبوية ما يجعل له سلطانًا، ويمكن له في قلوب الأعداء والأولياء مكانًا؛ حتى يحفظ على الخلافة من لا يعنيه إلا إياها، وينفذ على الثقلين في الخافقين أوامرها وقضاياها، ويستضيف لها نصرًا إلى نصرٍ، ويستنجز لها ما كتب في الزبور من بعد الذكر، نَوَّه الله باسم أمير المؤمنين في الملأ الأعلى، وطبق بدعوته المعمورة حتى لا يستثنى مكان بإلا، وقلص به عن الأمة ضلالة، ومد عليه ظلًا إن شاء الله تعالى.

الثالث: في أمر (١) نور الدين بالقبض على العاضد:

قد ذكرنا أن نور الدين كتب إلى صلاح الدين، يأمره بالقبض على العاضد وأقاربه وقطع خطبته، وعزم صلاح الدين على ذلك، واستفتى الفقهاء، فأفتوه بجواز ذلك، لما كان عليه العاضد وأشياعه من انحلال العقيدة، وفساد الاعتقاد، وكثرة الوقوع في الصحابة (رضي الله عنهم)، والاستهتار بذلك. وكان أكثرهم مبالغة في الفتيا الشيخ نجم الدين الخبوشاني (٢)، فإنه عدد مساويء هؤلاء القوم، وسلب عنهم الإيمان، وأطال الكلام في ذلك.

وكان العاضد رأي -في آخر دولته- في منامه وهو بمدينة مصر وقد خرجت إليه عقرب من مسجد هو معروف بها، فلدغته، فلما استيقظ ارتاع لذلك، فقصَّ على بعض المعبّرين المنام، فقال له: ينالك مكروه من شخص هو مقيم في هذا المسجد، فأمر والي مصر أن يكشف عمن هو مقيم في المسجد الفلاني، وأنه إذا رأى به أحدًا يحضره عنده. فمضى الوالي إلى المسجد، فرأى فيه رجلا صوفيًا فأخذه ودخل به على العاضد،


(١) تكرار في نسخة ب.
(٢) نجم الدين الخبوشاني: أبو البركات محمد بن الموفق بن سعيد بن علي بن الحسن بن عبد الله الخبوشاني، الملقب نجم الدين الفقيه الشافعي، توفي يوم الأربعاء ثاني عشر ذي القعدة سنة ٥٨٧ هـ/١١٩١ م. انظر: وفيات الأعيان، ج ٤، ص ٢٣٩ - ٢٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>