للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول لا يقرأ أحد قصيدتي هذه إلا وينفعه الله عز وجل؛ لأني نظمتها لله عز وجل مخلصًا في ذلك. ونظم قصيدة دالية في خمسمائة بيت من حفظها أحاط علمًا "بكتاب التمهيد" لابن عبد البر -رحمه الله- وكان عالمًا بكتاب الله قراءة وتفسيرًا وبحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مُبرزا فيه وكان إذا قرئ عليه صحيح البخاري ومسلم والموطأ تصحح النسخ من حفظه، ويُملى النكت على المواضع المحتاج إليها، وكان أوحدًا في علم النحو واللغة عارفًا بعلم الرؤيا، حسن المقاصد مخلصًا فيها بقول وفعل. قرأ القرآن العظيم بالروايات على أبي عبد الله محمد بن علي بن محمد بن أبي القاص النفزي المقري (١)، وأبي الحسن علي بن محمد بن هذيل الأندلسي، وسمع الحديث من أبي عبد الله محمد بن يوسف بن سعادة، وأبي عبد الله محمد بن عبد الرحيم الخزرجي (٢)، وأبي الحسن بن هذيل، والحافظ بن أبي الحسن (٣) بن النعمه، وانتفع به خلق كثير. وقال ابن خلكان: وأدركت من أصحابه جمعًا كثيرًا بالديار المصرية وكان يجتنب فضول الكلام ولا ينطق في سائر أوقاته إلا بما تدعو إليه ضرورة، ولا يجلس للإقراء إلا على طهارة، في هيئة حسنة وتخشع واستكانة، وكان يعتل العلة الشديدة فلا يشتكي ولا يتأوه، وإذا سئل عن حاله قال: العافية. لا يزيد على ذلك، وقال: أنشدني بعض أصحابه قال: كان الشيخ كثيرًا ما ينشد هذا اللغز وهو في نعش الموتي، فقلت له: فهل هو له؟ فقال: لا أعلم، ثم إني وجدته بعد ذلك في ديوان الخطيب أبي زكريا يحيي بن سلامه الحصكفي (٤) وهو:

أتْعرفُ شيئا في السماء نظيره (٥) … إذا سار صاح الناسُ حيث يسيرُ

فتلقاه مركوبًا وتلقاه راكبًا … وكلُّ أميرٍ يعتليه أسيرُ

يحُضُّ على التقوى ويَكره قُربه … وينفر منه النفسُ وهو نَذيرُ

ولم يستزر عن رغبة في زيارةٍ … ولكن على رغم المَزُور يَزُورُ


(١) محمد بن علي بن محمد بن أبي العاصي النفزي المقري: وفيات الأعيان، جـ ٤، ص ٧١ - ٧٣، ترجمة ٥٣٧.
(٢) "الجزجري" كذا في الأصل والمثبت من وفيات الأعيان، جـ ٤، ص ٧١، ترجمة ٥٣٧.
(٣) "الحسين" كذا في الأصل والمثبت من وفيات الأعيان، جـ ٤، ص ٧١، ترجمة ٥٣٧.
(٤) الخطيب الحصكفي: هو أبو الفضل يحيي بن سلامة بن الحسين بن محمد الملقب معين الدين المعروف بالخطيب الحصكفي، ولد بطَنْزه ونشأ بحصن كيفا، توفي سنة إحدى وقيل ثلاث وخمسون وخمسمائة وكانت ولادته في حدود سنة ستين وأربعمائة. وفيات الأعيان، جـ ٦، ص ٢٠٥ - ٢١٠.
(٥) "يطير" في وفيات الأعيان، جـ ٤، ص ٧٢، ترجمة ٥٣٧؛ البداية والنهاية، جـ ١٣، ص ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>