للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بدًا إلى ضيافته، فنزل في خيمة أخيه المؤيد لأنه أقسم عليه بالطلاق أنه لا يبدأ إلا به، فأبر قسمه ونزل عنده أولًا، وعند جهركس ثانيًا. فغضب جهركس لذلك، واستشعر سوء رأى فيه، فأخذ دستورًا من الأفضل أن يتأخر بالشرقية ليصلح بين مختلفين من العرب. فلما انفصل من الأفضل ركب هو وزين الدين قراجا من فورهما، ودخلا البرية في عدة قليلة. (١)

وأما الأفضل فإنه وصل إلى ظاهر القاهرة، فخرج إليه أهلها وتلقوه بالاحتفال، وزينت البلد، ودخل دار الوزارة، ونزل بدار البستان التي كان العزيز عمّرها. (٢) وخرج سراسنقر من باب البرقية (٣) بخيله ورجله لاحقًا برفيقيه جهاركس وقراجا، وشرع الأفضل في الإطلاقات (٤) والحوالات واستكثر منها، وجهز شمس الدولة عبد الرحمن بن منقذ (٥) رسولا إلى عمه العادل ببذل الطاعة وأرسل صحبته جاولي المعظمي وخطب باسم الأفضل، وحذف من الخطبة الترحم على الناصر والعزيز، وامتدحه شعراء النصر (٦) وأدباء المصر، فما مدح به من أشعار الرشيد النابلسى قصيدة مطلعها:

رُويدكم إن الهوى مسلك وعر … يُضَلُّ به الهادي ويُستعبد الحرُّ

أثير الغواني ليس بعد بمُفتدى … ومقتولها في دينها دمه هَدر

وما هي إلا نظرة سفكت دمي … وحاذرتها لو أنه نفع الحَذر

وما كان لولا أن يظاهرها الهوى … لغانيه نهي على ولا أمرُ

فلله بالفُسطاط أرغدُ عيشة … حظيتُ بها لو عاد يومًا بها العمرُ

فيا حبذا مقر وساكنَ أرضِها … وساحتُها فالتحلُ فالنيلُ فالقصرُ


(١) وردت هذه الأحداث بتصرف في نهاية الأرب، جـ ٢٨، ص ٤٥٦ - ٤٥٧؛ مفرج الكروب، ج ٣، ص ٩١ - ٩٢.
(٢) وردت هذه الأحداث بتصرفه في نهاية الأرب، ج ٢٨، ص ٢٥٧، ٢٥٨. انظر أيضًا: مفرج الكروب، ج ٣، ص ٩١، ٩٢.
(٣) باب البرقية: هذا الباب على حارة البرقية التي تنسب إلى قوم من أهل برقة قدموا صحبة جوهر الصقلى فعرفت بهم. صبح الأعشي، ج ٣، ص ٣٥٨.
(٤) الإطلاقات: جمع إطلاق، ومعناه إما تقرير عدل لما قرره أحد الملوك السالفة أو ابتداء في معروف أو زيادة في إحسان على ما كان مقررًا. ومن معانيه أيضًا قطعة أرض تمنح وتعفى من جميع أنواع الضرائب.
انظر: صبح الأعشى، ج ١٣، ص ٤١؛ Dozy:Sapp.Dict.Ar
(٥) هو شمس الدولة أبو الحارث، عبد الرحمن بن محمد بن مرشد بن منقذ. ت ٦٠٠ هـ بالقاهرة. ومولده في شيزر سنة ٥٢٣ هـ. وفيات الأعيان، ج ٧، ص ١٢. ترجمة رقم (٣٥٥).
(٦) في د "العصر".

<<  <  ج: ص:  >  >>