وقال ابن كثير: والعجب أن القاضى الفاضل مع براعته وفصاحته التى لا تدانى ولا تجازى، لا تعرف له قصيدة طويلة طنانة، بل له ما بين بيت وبيتين في أثناء الرسائل وغيرها شيء كثير جداً. قلت: والعجب من غفلة ابن كثير عن البرق الشامى للعماد الكاتب، مع أنه ينقل منه وأن فيه من القصائد الطنانة من نظم القاضى الفاضل ما يُسْحر العقول ويُزرى بكل مقول، وقد جمع ديوان نظمه القاضى محيى الدين بن عبد الظاهر، ثم اختار منه كتاباً سمّاه "الدر النظيم من شعر القاضى الفاضل عبد الرحيم"، وذكر له صلاح الدين الصفدى في تذكرته من القصائد ما يخجل الدُرَر الفرائد. وقال بيبرس في تاريخه: وكان الفاضل فريد الزمان، ومالك أزمّة البيان، وله الرسائل المعجزة والمكاتبات البليغة الموجزة، والنظم البديع والشعر المجيد، فمن شعره قصيده قالها متمدّحاً للملك العزيز ابن صلاح الدين.
الحُسنُ جاد على الأحباب فازدادُوا … لكن أحبَابنا في الحسن ما جادوا
فيهن من شبه الغزلان أربعةٌ … ثغر (١) وطيب وأحداق وأجيادُ
وقد بكت لضنى العُشاق أربعةٌ … طب وفرش وسُمَّار وعَّوادُ
همىّ بهم زائد زادته أربعةٌ … ينمى ويهنى ويستشرى ويزدادُ
وكيف تبقى على العينين أربعةٌ … عدى ودمع وأطراف وسهادِ
هيهات يصدق منك الصَبُّ أربعةٌ … عهد ووُدّ وأقوال وميعاد
له من الغصن الريان أربعةٌ … عال وبَاه وميال ومَيَّاد
له من الكوكب الدرى أربعةٌ … نشر وسُكر وإصدار وإيراد
له إذا سُل سيف المزح أربعةٌ … غيظ ووَثب وإيقاد وإزباد
ولى من الدهر عما رمت أربعةٌ … كدٌّ وردّ وإقصاءٌ وإقصادُ
ولى عن السعى في المرجوّ أربَعةٌ … يَأسٌ وبأسٌ وإخلالٌ وإخلَادُ
وللعزيز من الملوك أربعةٌ … قلبٌ ونطق وأخلاق وإحمادُ
تجمعت في مديحى فيه أربعةُ … سَبكٌ ونظمٌ وإنشاء وإنشادُ
حرابُ راوى ثنائى فيه أربعةُ … نسخ ودَرسٌ وتكرير وإيرادُ
أيامنا والليالى فيه أربعةُ … نسك [٢٥٠] وأنس وإعراسٌ وأعْياد
فلم يُطِف باعتقاد الخلق أربعةٌ … نصب ورفض وإشراك وإلحاد
(١) "نفر" كذا في الأصل وهو خطأ، والتصحيح من نسخة دار الكتب ص ٣٢٩.