للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من بعلبك بجنون الربياس من جبل لبنان، فالتقى عليهم الجبلان وماتوا (١) بأسرهم، وهدمت قلعة بعلبك مع عظيم حجارتها ووثيق عمارتها وامتدت إلى حمص وحماة وحلب والعواصم، وقطعت البحر إلى قبرس وانفرق البحر فصار أطوادًا وقذف بالمراكب إلى الساحل، فتكسرت ثم امتدت إلى خلاط وأرمينية وأذربيجان والجزيرة، وأحصى من هلك في هذه السنة على وجه التقريب فكان ألف ألف إنسان ومائة ألف إنسان، وكانت قوة الزلزلة في مبدأ الأمر بمقدار ما يقرأ الإنسان سورة الكهف ثم دامت بعد ذلك أيامًا. (٢)

ومنها هبوط النيل ولم يعهد ذلك في الإسلام إلا مرة واحدة فإنه بقي منه شيء يسير فوقع (٣) بسببه غلاء عظيم على ما نذكره.

ومنها وقوع غلاء عظيم بالديار المصرية [٢٥٨] فهرب الناس إلى المغرب والحجاز واليمن والشام، وتفرقوا تفرق أيدي سبأ، ومزقوا كل ممزق أعظم من سنة اثنتين وستين وأربع مائة في أيام المستنصر (٤)، فإنه كان الناس في هذه السنة في أمر عظيم كان الرجل يذبح ولده الصغير وتساعده أمه على طبخه وتشويه، وأحرق السلطان جماعة فعلوا ذلك ولم ينتهوا، وكان الرجل يدعو صديقه وأعز الناس عليه إلى منزله ليضيفه فيذبحه ويأكله، وفعلوا بالأطباء كذلك وكانوا يدعونهم ليبصروا المرضى فيقتلونهم ويأكلونهم، ونفذت الميتات والجيف من كثرة ما أكلوها، وكانوا يخطفون الصبيان من الشوارع فيأكلونهم، ثم وقع فناء عظيم على ما نذكره. (٥)

وحكى أبو شامة أنه أُكلت الكلاب في هذه السنة والميتات بمصر، وأكل من الأطفال والصغار خلق كثير، يشوى الصغير والداه ويأكلانه، وكثر هذا في الناس حتى صار لا ينكر بينهم، ثم صاروا يحتالون على بعضهم بعضا فيأكلون من يقدرون عليه. ومن غلب من قوى ضعيفًا ذبحه وأكله، ووجد عند رجل أربعة مائة رأس من بني آدم وهلك كثير من الأطباء الذين يستدعون إلى المرضى، فيذبحون ويؤكلون وقد استدعى رجل


(١) "واتوا" كذا في الأصل والتصحيح من مرآة الزمان، جـ ٨، ص ٣٠٨.
(٢) إلى هنا وقف العيني عن النقل من مرآة الزمان، جـ ٨، ص ٣٠٨ - ص ٣٠٩.
(٣) مرآة الزمان، جـ ٨، ص ٣٠٧.
(٤) "المنتصر" كذا في الأصل والصحيح ما أثبتناه.
(٥) ورد هذا الخبر بتصرف في الكامل، جـ ١٠، ص ٢٧٥؛ الجامع المختصر، جـ ٤٧ - ص ٥٠؛ البداية والنهاية، ج ١٣، ص ٢٦؛ مرآة الزمان، جـ ٨، ص ٣٠٨ - ص ٣٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>