للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طبيب فخاف الطبيب وذهب معه على وجل، فجعل الرجل يتصدق على من وجده في الطريق ويذكر ويسبح ويكثر من ذلك، فارتاب به الطبيب وتحيل، ومع هذا حمله الطمع على الاستمرار معه فلما وصلا إلى الدار إذا هي خربة، فارتاب أيضا فخرج رجل من الدار فقال لصاحبه: ما هذا البُطؤ جئت لنا بصيد؟ فلما سمعه الطبيب هرب فما خلص إلا بعد جهد جهيد. (١)

وقال الشيخ موفق الدين عبد اللطيف في كتاب أخبار مصر: ثم دخلت سنة سبع وتسعين وخمسمائة وقد يئس الناس من زيادة النيل وارتفعت الأسعار وقحط الناس، وخرجوا من خوف الجوع، وانكرش أهل السواد والريف إلى أمهات البلاد، وانجلي كثير منهم إلى الشام، ودخل إلى القاهرة ومصر منهم خلق كثير، واشتد بهم الجوع ووقع فيهم الموت وعند نزول الشمس الحمل وبئ الهواء ووقع المرض والموتات، واشتد بهم الجوع حتى أكلوا الميتات والجيف والكلاب والبعر والروث، ثم تعدوا ذلك إلى أن أكلوا صغار بني آدم، فكثيرًا ما يعثر عليهم ومعهم صغار مشويون ومطبوخون فيأمر السلطان بإحراق الفاعل لذلك. قال: ورأيت صغيرة مشوية في زنبيل وقد أحضر إلى دار السلطان مع رجل وامرأة زعم الناس أنهما أبواه، فأمر بإحراقهما. ووجد بمصر في رمضان رجل وقد جردت عظامه عن اللحم وأكل كما يفعل الطباخون بالغنم.

وأما الأعمال الغريبة فأخبرني الثقة أن أكل بني آدم قد استفاض فيها. وأما أهل الصعيد فإنه استفاض فيهم بيع الأحرار بالثمن البخس حتى تباع الجارية الحسناء بالدراهم النزر.

وقال أيضًا: وأحرق في مصر وحدها من الآكلين لبني آدم رجال كثيرة، وإن [٢٥٩] الأكلين إذا أحرقوا أصبحوا وقد أكلوا لأنهم يصيرون شواء، وأحرقت من النساء الآكلات نحوٌ من ثلاثين امرأة، وكل امرأة من هؤلاء تقر عندما تؤخذ أنها أكلت جماعة كثيرة. وكان قوم من الفقراء قد آووا قرب الجزيرة وتستروا ببيوت من طين، فاطلع عليهم وطلب قتلهم، فهربوا فوجدوا في بيوتهم من عظام بني آدم شيئًا كثيرًا. وأخبرني الثقة أنهم وجدوا في بيوتهم أربع مائة جمجمة، ثم وجد بعد هذا كثيرٌ من المساتير يأكلون بني آدم


(١) انظر الذيل على الروضتين كما أورد هذا الخبر، ابن كثير نقلًا عن الذيل على الروضتين، راجع البداية والنهاية، جـ ١٣، ص ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>