للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للتشهي لا للضرورة، وأعجبُ ما شاهدتُ من ذلك أن الرعاع والصبيان ظفروا بامرأة قد شوت صغيرًا فحملوه على أيديهم في السوق والمرأة معهم مسحوبة مشجّجة والناس في غفلة ذاهلون، وأهل السوق مقبلون على شؤونهم لم أر فيهم من يتعجب لذلك ولا ينكر عليه، وما ذلك إلا لشدة أنسهم به وألفتهم لأمثاله وخروجه عندهم عن حد العجب، وربما نبشوا القبور وأكلوا الموتى الطرية، وشهد جماعة أنهم عاينوا حمالين الموتى يبيعون الميت بدرهم ودرهمين ونحو ذلك لقوم يتسترون في المقابر ويختفون في المغائر، وأحضر بين يدي الوالي في بعض الأيام قِدْر كبير وفيها عشرة أيدي مطبوخة كما يفعل بالأكارع من الغنم، وأحضر يومًا آخر قِدْر فيها عدة رؤوس من بني آدم مطبوخة بقمح.

وقد شاع ذلك في جميع بلاد مصر حتى في الإسكندرية؛ فإنه من جملة ما روى أنهم وجدوا فيها قدرًا فيها خمسة صغار، وقد ظفر بجماعة في نواحيها وعندهم من لحوم الآدميين قديد مُدّخر، وبعضه في خوابي مملح، وبعضه طبخ وبعضه طري.

قال: وقد استفاض بيع الأحرار بالصعيد كما ذكرنا، ثم إنه سرى إلى مصر والقاهرة وحلب منها خلق عظيم، امتلأت بهم أسواق النَّخْس تباع الجارية منهم بدينار ونصف وبربع، ولقد عرضت على جاريتان حسناوتان (١) مراهقتان أحدهما بكر فَسِيمَ فيهما دينار واحد، وأوسقت بهم المراكب والجمال، وسار (٢) بهم التجار بحرًا وبرًا إلى الشام وبلاد الروم والإفرنج وغيرها من البلاد المتاخمة.

وأهل المحرّم من سنة ثمان وتسعين وخمسمائة والأمر باق على ما ذكر، والناس مستمرون على هذه الحالة، وبالله المستعان.

ومنها وقوع فناء عظيم في الديار المصرية حتى حكى الشيخ أبو شامة في الذيل أن السلطان الملك العادل كَفَّنَ من ماله في مدة يسيرة في هذه السنة نحوًا من مائتي ألف وعشرين ألف ميت، وكثر موت الفقراء بمصر والقاهرة وسائر النواحي، وكثرت الطرحاء، وكان بطرفي القاهرة ميضأتان يحمل إليهما من مات بها، فكان عدد من أحصى بالميضأتين في شهر شعبان خاصة ست (٣) آلاف وثلثمائة نفس سوى من مات منهم بمصر والجزيرة والجيزة والمَقس والقرافتين والطرقات وسائر النواحي، وسوى من أكلته


(١) "حسنا آن" في الأصل والصحيح ما أثبتناه.
(٢) "وساروا" في الأصل، والصحيح ما أثبتناه.
(٣) "ستة" في الأصل، والصحيح ما أثبتناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>