للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: كيف أصنع وحبها مجبول (١) في طباعي في يوم زين للناس حب الشهوات؟ فقال الشيخ: إلا من اغترف معي قطرة من القطرات، وقال: والله ما اجتمع لأحد أمله إلا سعى في تفريقه أجله، وقال: عقارب المنايا تلسع وخدران جسم الأمل يمنع الإحساس، وقال: الرواحل في ضي المراحل والأنام نيام، وقال: ماء الحياة في أناء العمر ترشح بالأنفاس. (٢)

وقرأ بين يديه قارئ حسن الصوت فأطرب الجماعة، ثم قرأ بعده أخر مزعج الصوت فنغص الجماعة، فقال الشيخ: كان لبعضهم جاريتان مغنينان إحداهما تغني طيبًا والأخرى مزعجًا، فكان إذا غنت الطيبة الصوت يمزق ثيابه، وإذا غنت القبيحة الصوت يقعد يخيط ما مزق. قال السبط: حضر مجلسي بجامع دمشق في ستة عشر وخمسمائة القضاة والأشراف والأعيان، والملك المعظم عيسى -رحمه الله - وشيوخنا جمال الدين الخضرى، وتاج الدين الكندي، والقاضي شمس الدين [٢٦٦] بن سنا الدولة، وكان مجلسًا عظيمًا احتوى على عشرة آلاف وزيادة على باب مشهد على (- رضي الله عنه -). وكان بدمشق قارئان أحدهما يقال له النجيب البغدادي صوته طيب، والآخر يقال له الشرف بن محي صوته مزعج، فكان النجيب إذا قرأ طربنا، وابن محي إذا قرأ تنغصنا، فحكت الجماعة حكاية الجاريتين المغنيتين، وكان تاج الدين [الكندى] (٣) قاعدًا في القمة التي في وسط المجلس فصاح: يا ابني كلنا اليوم نخيط، وقال رجل لابن الجوزي: إن فلانًا أوصى عند الموت فقال: طين سطوحه في كانون. وقال له قائل: أنا أفضل أسبح وأستغفر. فقال: الثياب الوسخة أحوج إلى الصابون من البخور. وقال: من قنع طاب عيشه، ومن طمع طال طيشه. وقال: الطاعة تبسط اللسان والمعاصي تذل الإنسان. ووعظ الخليفة يومًا وقال: يا أمير المؤمنين إن تكلمت خفت منك، وإن سكت خفت عليك، فأنا أقدم خوفي عليك على خوفي منك لمحبتي لدوام أيامك، إن قول القائل: اتق الله خير من قول القائل: إنكم أهل بيت مغفور لكم. وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: إذا بلغني عن عامل ظالم أنه قد ظلم الرعية ولم أغيره فأنا الظالم يا أمير المؤمنين. كان يوسف -عليه السلام- لا يشبع في زمان القحط لئلا ينسى الجياع، وكان عمر - رضي الله عنه - يضرب


(١) "مطبوع" في مرآة الزمان، جـ ٨، ص ٣١٦.
(٢) نقل العيني هذا الخبر بتصرف من مرآة الزمان، جـ ٨، ص ٣١٢ - ٣١٦.
(٣) ما بين حاصرتين إضافة من سبط ابن الجوزي لتوضيح الخبر، مرآة الزمان، جـ ٨، ص ٣١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>