للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد استقصينا الكلام فيه فيما مضى (١). وقد صنف الشريف الهاشمي (٢) كتابًا كبيرًا، كان في أيام الملقب بالعزيز -ثاني خلفاء مصر- فبين فيه أصولهم أتم بيان، وأوضح كيفية ظهورهم وغلبتهم على البلاد، وتتبع ذكر فضائحهم، وما كان يصدر منهم من أنواع الزندقة والفسق والمخرقة، وما فعله هؤلاء من الانتساب إلى على - رضي الله عنه -، والتستر بالتشيع قد فعله القرامطة (٣)، وصاحب الزنج (٤) الخارج بالبصرة، وغيرهم من المفسدين في الأرض، على ما عَرَف مِنْ سيرهم مَنْ وقَف على أخبار الناس. وكلهم كَذَبَةٌ في ذلك، وإنما غرضهم التقرب إلى العوام والجهال.

وذكر القاضي عبد الجبار (٥) أن الملقب بالمهدي -عليه ما يستحق- كان يتخذ الجهال ويسلطهم على أهل الفضل؛ وكان يرسل إلى الفقهاء والعلماء فيذبحون في فرشهم. وأرسل إلى ملك الروم، وسلطهم على المسلمين، وأكثر من الجود واستصفاء الأموال، وقتل الرجال. وكان له دعاة يضلون الناس على قدر طبقاتهم، فيقولون لبعضهم: "هو المهدي ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحجة الله على خلقه". ويقولون لآخرين: "هو رسول الله وحجة الله على خلقه". ويقولون لطائفة أخرى: "هو الله الخالق الرازق".

ولما هلك قام ابنه المسمى بالقائم (٦) مقامه، وزاد شره على شر أبيه أضعافًا مضاعفة، وجاهر بشتم الأنبياء، فكان ينادي في أسواق المهدية وغيرها: "العنوا عائشة وبعلها، العنوا الغار ومن حوى". وبعث إلى أبي طاهر القرمطي (٧)، المقيم بالبحرين، وحثه على قتل المسلمين، وإحراق المساجد والمصاحف.


(١) انظر ما سبق ص ٧٩ - ٨٠.
(٢) هو أبو القاسم علي المرتضى. نقيب الطالبيين؛ عاش فيما بين سنتي ٣٥٥ - ٤٣٦ هـ/ ٩٦٦ - ١٠٤٤ م. انظر: الروضتين، جـ ١ ق ٢، ص ٥١٥، حاشية (١).
(٣) القرامطة: طائفة سياسية اتخذت الدعوة إلى إمامة إسماعيل بن جعفر الصادق وسيلة لتحقيق أغراضها، وعرفت بذلك نسبة إلى أحد دعاتها حمدان بن الأشعت الملقب بقرمط. ويقال إنه سمي بقرمط لقصور قامته ورجليه. انظر: نهاية الأرب، جـ ٢٣، ص ٥٦؛ الرسغي: مختصر الفرق بين الفرق، ص ١٧١.
(٤) هو على بن محمد بن أحمد … بن زيد، ثائر ظهر بالبصرة، واشتد أمره أيام الخليفة المعتمد، وزعم أنه من نسل آل على، وكثر أتباعه من عبيد الأرض الذين كانوا يعملون في حمل المخصبات (السباخ) وغيرها لأهل البصرة، واستمرت ثورته الخطيرة التي شملت جنوبي العراق بين سنتي ٢٥٥ - ٢٧٠ هـ/ ٨٦٩ - ٨٨٣ م، ثم انهارت أمام جيوش الموفق أخى الخليفة المعتمد. انظر: الروضتين، جـ ١ ق ٢، ص ٥١٥، حاشية (٣).
(٥) انظر أقوال القاضي عبد الجبار في العلويين وأصولهم في الروضتين، جـ ١ ق ٢، ص ٥١٢ - ٥١٣.
(٦) القائم: أبو القاسم محمد بن عبيد الله المهدي، تولى الخلافة سنة ٣٢٠ هـ/ ٩٣٢ م، وتوفي سنة ٣٣٤ هـ/ ٩٤٦ م. انظر: البداية والنهاية، جـ ١١، ص ٢٢٤ - ٢٢٧؛ اتعاظ الحنفا، جـ ١، ص ٧٤ - ٨٢.
(٧) أبو طاهر القرمطي هو حمدان بن الأشعث.

<<  <  ج: ص:  >  >>