للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في الأسكفة (١) العليا منقورًا في الحجر. ودلني أول الكلام وآخره على ذلك، ثم جُدد ذلك الباب، وأزيل ذلك الحجر. وفي أيامه طَوَّفَ بدمشق رجل مغربي، ونودي عليه: "هذا جزاء من يحب أبا بكر وعمر". ثم ضربت عنقه.

وجرى في أيامهم مثل هذه الأشياء؛ مثل قطع لسان أبي القاسم الواسطى -أحد الصالحين- وكان أذَّن في بيت المقدس وقال في أذانه: "حي على الفلاح"، فأُخذ، وقطع لسانه، وما كانت ولاية هؤلاء الملاعين إلا محنة من الله تعالى، ولهذا طالت مدتهم، مع قلة عِدتهم، فعدتهم عدة خلفاء بني أمية أربعة عشر، وأولئك بقوا نيفا وتسعين سنة، وهؤلاء بقوا مائتي سنة [وثمانيا] (٢) وستين سنة.

وحكى ابن المارستاني (٣) في سيرة ابن هبيرة الوزير قال: إنه من عجيب ما جرى في أمر المصريين؛ أنه رأى إنسانٌ (٤) من أهل بغداد في سنة خمس وخمسين وخمسمائة، كأنَّ قمرين أحدهما أنور من الآخر، والأنور منهما مسامت للقبلة، وله لحية سوداء فيها طول، ويهُبُّ أدنى نسيم فيحركها، وأثر حركتها وظلها في الأرض، وكان الرجل يتعجب من ذلك، وكأنه سمع أصوات جماعة يقرؤون بألحان وأصوات لم يسمع قط مثلها، وكأنه سأل بعض من حضر فقال: ما هذا؟ فقالوا: قد استبدل الناس بإمامهم. قال: وكأن (٥) الرجل استقبل القبلة، وهو يدعو الله أن يجعله إمامًا برًا تقيًا. واستيقظ الرجل. وبَلَّغَ هذا المنام ابن هبيرة -الوزير إذ ذاك ببغداد- فعبَّر المنام بأن الإمام الذي بمصر يُستبدل به، وتكون الدعوة لبني العباس لمكان اللحية السوداء. وقوى هذا عنده، حتى كاتب نور الدين


(١) "الأمكنة" في الروضتين واسكف وأسكفة: عتبة الباب. انظر: المعجم الوسيط، مادة "سكف".
(٢) "مائتي سنة وستين" كذا في نسخة أ؛ أما نسخة ب "مائتي سنة وستين سنة". والمثبت من الروضتين جـ ١ ق ٢، ص ٥١٤ حيث ينقل العينى عنه.
(٣) انظر قول ابن المارستاني في الروضتين، جـ ١ ق ٢، ص ٤٩٩ - ٥٠٠.
(٤) ذكر الدكتور/ محمد حلمى محمد أحمد أنه وجد بأصل نسخة الروضتين تعليقًا بالهامش نصه "حاشية. قال المؤلف: رأيت في السيرة المذكورة أن الذي رأى هذا المنام هو الفقيه الزاهد أبو محمد عفيف بن المبارك بن محمود الأحمدى سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة والله أعلم". انظر: الروضتين، جـ ١ ق ٢، ص ٥٠٠، حاشية (١).
(٥) "وكان" في الروضتين، جـ ١ ق ٢، ص ٥٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>