للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمير مجير الدين طاشتكين (١) المستنجدي، أمير الحاج وزعيم بلاد خراسان، وكان شيخًا خيرًا حسن السيرة كثير العبادة غاليًا في التشيع، توفي بتستر (٢) في ثاني جمادى الآخرة من هذه السنة، وحمل تابوته إلى الكوفة فدفن بمشهد على - رضي الله عنه - بوصية منه، هكذا ترجمه ابن الساعى في تاريخه. وذكر أبو شامة في الذيل: مجير الدين طاشتكين بن عبد الله المقتفوى أمير الحاج، حج بالناس ستا وعشرين سنة وكان يكون في طريق الحج مثل الملوك، فحسده ابن يونس الوزير، وقال للخليفة: إنه يكاتب صلاح الدين وزور عليه كتابًا فحبسه الخليفة مدة، ثم تبين له أنه بريء من ذلك فأطلق وأعطاه خوزستان ثم أعاده إلى أمره الحج. وكانت الحله [الشيعية] (٣) أقطاعه، وكان شجاعًا جوادًا سمحًا قليل الكلام يمضي عليه الأسبوع ولا يتكلم، استغاث إليه رجل يومًا فلم يكلمه، فقال الرجل: الله كلم موسى. فقال: وأنت موسى!! فقال الرجل: وأنت الله!! فقضى حاجته، وكان حليمًا، التقاه رجل فاستغاث إليه من نوابه فلم يجبه، فقال له الرجل: أحمار أنت؟ فقال طاشتكين: لا. وفي قلة كلامه يقول ابن التعاويذي:

وأمير على البلاد مولى … لا يجب الشاكي بغير سكوت

كلما زاد رفعةً حطنًا … الله بتغفيله إلى البهموت

وقام يومًا إلى الوضوء فحل حياصته وتركها موضعه ودخل ليتوضأ، وكانت الحياصة تساوي خمسمائة دينار، فسرقها الفراش وهو يشاهده، فلما خرج طلبها فلم يجدها، فقال أستاذ داره: أجمعوا الفراشين وأحضروا المعاصير (٤). فقال له طاشتكين: لا تضرب أحدًا فالذي أخذها ما يردها والذي رآه ما يعمز عليه. فلما كان بعد مدة رأى على الفراش الذي سرق الحياصة (٥) ثيابًا جميلة وبزة ظاهرة. فاستدعاه سرًّا وقال له بحياتي هذه من زيك


(١) البداية والنهاية، ج ١٣، ص ٤٩ - ص ٥٠؛ الكامل، ج ١٠، ص ٣٢٠؛ مرآة الزمان، ج ٨، ص ٣٦٣.
(٢) تستر: انظر ما سبق، ج ١، ص ١١٧.
(٣) "السيفية" كذا في الأصل، ومرآة الزمان، ج ٨، ص ٣٤٣. والمثبت بين الحاصرتين من الذيل على الروضتين، ص ٥٣؛ البداية والنهاية، ج ١٣، ص ٤٩.
(٤) المعاصير أو المعاصر، مفردها المعصرة. وهي آلة من آلات التعذيب وتتكون من خشبتين مربوطتين بحبل، ويوضع بينهما وجه المعاقب أو رأسه أو رجلاه أو عقباه، ثم تشد الخشبتان شدا وثيقًا مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى كسر العظام المعصورة بين الخشبتين. انظر عاشور، المجتمع المصري، ص ٩٩.
(٥) الحياصة: تعنى حزام العسكريين، وكان يطلق عليها أولا المِنْطَقة، ثم أطلق عليها فيما بعد الحياصة، وتصنع من معدن ثمين، وأفخمها ما كان من الفضة المطلية بالذهب، وأحيانًا من الذهب الخالص المرصع بالأحجار الكريمة. انظر: الملابس المملوكية، ص ٤٧ - ٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>