للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما ما كان من السلطان وذاك الأمير فإن الأمير قال للسلطان: إني أرى من المصلحة أن تترك الملك عنك في هذه الحالة وتظهر أنك غلام لي. فقبل منه ما أشار إليه وجعل يخدمه يُلبّسه ثيابه ويسقيه ويضع الطعام بين يديه ولا يألو جهدًا في خدمته. فقال الذي أسرهما: إني أرى هذا يخدمك فمن أنت؟ فقال: أنا ابن مسعود الأمير وهذا غلامي. فقال: والله لولا علم الأمراء بأني قد أسرت أميرًا لأطلقتك. فقال: إني إنما أخشى على أهلى فإنهم يظنون أني قد قتلت ويقيمون المأتم، فإن رأيت أن تفاديني على مال وترسل من يقبضه منهم فعلتَ خيرًا فقال: نعم [٣٠٣] فعين رجلا من أصحابه، فقال ابن مسعود: إنهم لا يعرفون هذا ولكن إني رأيت أن أرسل معه غلامي هذا ليبشرهم بحياتي ويأمرهم بتحصيل المال. فقال: نعم. فجهز معهما من يحفظهما إلى مدينة خوارزم فلما اقتربوا من خوارزم سبق الملك إليها، فلما رآه الناس فرحوا فرحًا شديدًا جدًا ودقت البشائر في سائر بلاده وعاد الملك إلى نصابه.

واستقر السرور بأيامه وأصلح ما كان وَهِىَ من مملكته بسبب ما كان اشتهر من عدمه، وحاصر هراة وأخذها عنوة، وأما الذي أسره فإنه قال يومًا لابن مسعود: إن الناس متفرحون أن خوارزم شاه قد عدم. فقال: لا هو الذي كان في أسرك. فقال له: فهلا أعلمتني به حتى كنت أرده موقرًا معظمًا، فقال: خفتكم عليه. فقال: سر بنا إليه، فسارا إليه فأكرمهما إكرامًا زائدًا وأحسن إليهما. وذكر بيبرس هذه القصة وملخصها أن الخطأ كانت قد طالت أيامهم ببلاد كورستان وما وراء النهر وثقلت وطائهم على أهلها، ولهم في كل مدينة نائب يجيء إليهم الأموال، وقبل أن يملكوا كان مقامهم بنواحي أوركند وبلاساقول (١) وكاشغر (٢) في تلك النواحي، فاتفق أن سلطان سمرقند أو بخارى (٣) ولقبه جان خانان يعني سلطان السلاطين، وهو من أولاد الحانية عريق النسب في الإسلام والملك، أنف وضجر من مَحكم الكفار على المسلمين، فأرسل إلى خوارزم شاه يقول


(١) بلاساغون: كذا في ياقوت، وهي بلد عظيم من ثغور الترك وراء نهر سيحون قريب من كاشغر، معجم البلدان، ج ١، ص ٧٠٨.
(٢) كاشغر: مدينة وسط بلاد الترك، معجم البلدان، ج ٤، ص ٢٢٧.
(٣) بخارى من أعظم مدن ما وراء النهر، معجم البلدان، ج ١، ص ٥١٧ - ص ٥٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>