للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من هراة غرضًا بِحُسْن تدبير ذلك الوزير، وأرسل إليه خوارزم شاه يقول له: إنك كنت وعدت أني إذا حضرت تسلم البلد وأنا قد حضرت، فسلم فقال: لا أفعل؛ لأني أعلم أنكم غدارون لا تبقون على أحد ولا أسلم إلا إلى غياث الدين محمود. فغضب خوارزم شاه وزحف إليه بعساكره فلم يكن له فيه حيلة، فاختلف أهل هراة على الوزير فأراد أن يستدركهم فحمل خوارزم إلى البلد، فأخذ برجا فدخل منه هو وعسكره وأخذ الوزير فقتله، وتسلم البلد، وأصلح حاله وسلّمه إلى خاله أمير ملك وهو من أعيان أمرائه، ولم تزل هراة بيده حتى هلك خوارزم شاه ولما سلم خوارزم شاه هراة إلى خاله أمير ملك سار إلى خوارزم وأمره أن يقصد غياث الدين محمود صاحب الغور وفيروزكوه، فسار أمير ملك إليه فلما بلغ ذلك محمودًا أرسل يبذل له الطاعة ويسأله الأمان فأعطاه ذلك، فلما نزل إليه قبض عليه وعلى علي شاه أخي خوارزم شاه فسألا أن يحملا إلى خوارزم شاه ليري فيهما رأيه فأرسل أمير ملك إلى خوارزم شاه يعرفه الخبر فأمره بقتلهما فقتلا في يوم واحد واستقامت خراسان كلها لخوارزم شاه (١) ثم عاد خوارزم شاه إلى الخطأ فعبر نهر جيحون فجمع له الخطأ جمعًا عظيمًا وساروا إليه والمقدم عليهم شيخ دولتهم القائم مقام ملكهم المعروف بطاينكوه، وكان عمره قد جاوز مائة سنة، وكان كثير التجارب حسن التدبير جيد التعقل، واجتمع خوارزم شاه وصاحب سمرقند وتصافوا هم والخطا سنة ست وستمائة، فجرت حروب لم يكن مثلها شدة وصبرا فانهزم الخطأ وقتل منهم وأسر في هذه المدة خلق لا يحصى عددهم إلا الله، وكان فيمن أسر طانيكوه مقدمهم وجيء به إلى خوارزم شاه فأكرمه وأجلسه على سريره وسيره إلى خوارزم، ثم قصد خوارزم شاه بلاد ما وراء النهر فملكها مدينة مدينة وناحية ناحية حتى بلغ أوركند وجعل نوابه فيها وعاد إلى خوارزم ومعه صاحب سمرقند، ثم بعث معه شحنة تكون بسمرقند، ولما عاد صاحب سمرقند إليها ومعه شحنة لخوارزم شاه أقام معه نحو سنة فرأى من سوء سيرة الخوارزميين وقبح معاملتهم ما ندم على مفارقة الخطا، فأرسل إلى ملكهم يدعوه إلى سمرقند ليسلمها إليه ويبذل له الطاعة وأمر بقتل كل من في سمرقند من الخوارزمية ممن سكنها قديمًا وحديث، وقطّع أصحاب خوارزم شاه قطعًا وعلقهم في الأسواق ومضى إلى القلعة ليقتل زوجته ابنة خوارزم شاه، فغلقت الأبواب [٣٠] ووقفت بجواريها تمنعه وأرسلت إليه


(١) انظر الكامل، ج ١٠، ص ٣٣٧ - ص ٣٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>