السلطان (١) معز الدين سنجر شاه بن سيف الدين غازي بن مودود بن عماد الدين زنكي بن آقسنقر، صاحب جزيرة ابن عمر، وهو ابن عم نور الدين صاحب الموصل، قتله ابنه غازي في هذه السنة، وكانت ولايته في سنة ست وتسعين وخمسمائة، وكان سنجر شاه ظالمًا قبيح السيرة وقحًا، لا يمتنع من قبيح يفعله من: القتل، وقطع الألسنة، والأنوف، والأذن، وحلق اللحى، وتعدى ظلمه إلى أولاده وحريمه، فبعث ابنيه محمودًا وممدودًا إلى قلعة فحبسهما فيها، وحبس ابنه الغازي المذكور في المدينة وضيق عليه، وكان بتلك الدار هوام كثيرة، فاصطاد غازي المذكور حية وسيرها إلى أبيه في منديل لعله يرق له، فلم يزده إلا قساوة عليه، فأعمل الحيلة حتى هرب، وكان عنده أحد يخدمه فقرر معه أن يسافر ويظهر [٣١٨] أنه غازي بن معز الدين سنجر شاه؛ ليأمنه أبوه، فمضى ذلك الإنسان إلى الموصل فأعطى شيئًا وسافر منها، واتصل ذلك بسنجر شاه فاطمأن، وترجل ابنه غازي حتى دخل إلى دار أبيه، واختفى عند بعض سراري أبيه، وعلم به جماعة منهم وكتموا ذلك عن سنجر شاه لبغضهم فيه، واتفق أن سنجر شاه شرب يومًا بظاهر البلد وشرع يقترح على المغنيين الأشعار الفراقية وهو يبكي، ودخل داره سكرانًا إلى عند الحظية التي ابنه مختف عندها، ثم قام معز الدين سنجر شاه ودخل الخلاء، فهجم عليه ابنه غازي فضربه أربع عشرة ضربة بالسكين، ثم ذبحه وتركه ملقى، ودخل غازي الحمام وقعد يلعب مع الجواري، فلو أحضر الجند واستحلفهم في ذلك الوقت لتم أمره وملك البلاد، ولكنه سكر واطمأن فخرج بعض الخدم وأعلم أستاذ الدار، فجمع الناس وهجم على غازي وقتله، وحلف العسكر لأخيه محمود بن سنجر شاه، واستقر ملكه بالجزيرة، وقبض على جواري أبيه فغرقهن في دجلة، ثم قتل محمود بعد ذلك أخاه مودودًا.
(١) انظر ترجمته، الكامل في التاريخ، ج ١٠، ص ٣٤٥ - ٣٤٧؛ الذيل على الروضتين، ص ٦٧٩ الجامع المختصر، ج ٩، ص ٢٦٩ - ٢٧٠، البداية والنهاية، ج ١٣، ص ٥٧.