وإن ذكرتم لنا فيها اشتياقكم … فبعدنا منكم أضعاف ما فيها
سلوا نسيم الصبا يهدي تحيتنا … إليكم فهي تدري كيف تهديها
قال: وكان الملك المعظم عيسى رحمه الله يقرأ عليه دائما، قرأ عليه كتاب سيبويه نصا وشرحا، والإيضاح والحماسة وشيئا كثيرا، وكان يمشي من القلعة راجلا إلى دار تاج الدين الكندي والكتاب تحت إبطه، ثم توفي يوم الإثنين سادس شوال وأنا يومئذ متوجه إلى الحج على بغداد وصلى عليه بجامع دمشق، وحمل إلى قاسيون فدفن به ولم يتخلف عن جنازته أحد من الأعيان، وعمره ثلاث وتسعون سنة وشهر وستة عشر يوما، وكان صدوقا ثقة.
وقال ابن كثير: وكان قد وقف كتبًا نفيسة وهي سبع مائة وواحد وستون مجلدا، على معتقه نجيب الدين ياقوت، ثم على ولده من بعده، ثم على العلماء في الحديث والفقه واللغة وغير ذلك. وجعلت في خزانة كبيرة بمقصورة ابن سنان (١) المجاورة لمشهد علي زين العابدين رضي الله عنه. ثم إن هذه الكتب تفرقت وأبيع كثير منها ولم يبق بالخزانة المشار إليها إلا القليل، وهي مقصورة الخليفة، وكانت قديما يقال لها: مقصورة ابن سنان. وقد ترك الشيخ تاج الدين نعمة وافرة وأموالا جزيلة ومماليك متعددة من الترك. وقد كان رقيق الحاشية حسن الأخلاق يعامل الطلبة معاملة حسنة فلما كبر ترك القيام لهم وأنشأ اعتذارا:
تركت قيامى للصديق يزورني … ولا ذنب لي إلا الإطالة في عمري
فإن بلغوا من عشر تسعين نصفها … يبين في ترك القيام لهم عذري
(١) "ابن سنان الحلبية" كذا في البداية والنهاية، جـ ١٣، ص ٧٩؛ أما في الذيل على الروضتين، ص ٩٨، ذكرها: "ابن سنان الحنفية".