توفي شيخنا تاج الدين الكندي أبو اليمن البغدادي المولد والمنشأ الدمشقي الدار، قرأ القرآن بالروايات، وله عشر سنين على الشيخ أبي محمد عبد الله بن على سبط الشيخ أبي منصور الخياط وهو الذي رباه، وكان خصيصًا به وقرأ عليه كتاب المنهج والكامل تأليف أبي محمد، وكتاب الحجة في القراءات لأبي على الفارسي وقرأ على أبي محمد من كتب العربية كتاب سيبويه والمقتضب والإيضاح والتكملة، وقرأ العربية أيضا على أبي السعادات بن الشجري واللغة على أبي منصور بن الجواليقي، وسمع الحديث الكثير من شيوخ جدي وغيرهم، وفارق بغداد في سنة ثلاث وستين وخمسمائة وأقام بدمشق، واختص بعز الدين فرخشاه ابن أخي صلاح الدين وبولده الملك الأمجد صاحب بعلبك، وانتهت إليه القراءات والروايات وعلم النحو واللغات، وقرأت عليه من كتاب الصحاح للجوهري، وكان يحضر مجالسي بجامع دمشق وقاسيون ويقول: أنا قد صرت من زبون المجلس، ولما خرجت في سنة سبع وستمائة إلى الغزاة كتب إلى نابلس كتابًا بخطه، وكان يكتب مثل الدّر:
جزى الله بالحسنى ليالي أحسنت … إلينا بإيناس الحبيب المسافر
ليالي كانت بالسرور قصيرة … ولم تك لولا طيبها بالقصاير
[٣٦٢] فيا لك وصلا كان وشكُ … كزورة طيف أو كنعبة (١) طاير
قال وله ديوان شعر وحكى لي قال: كتبت إلى الملك الأمجد إلى بعلبك:
لا تضجرنكم كتبي إذا كثرت … فإن شوقي أضعاف الذي فيها
والله لو ملكت كفي مهادنة … من الليالي التي يخشى تعاديها
لما تصرم لي في غير داركم … عُمرٌ ولا متُّ إلا في نواحيها
عدُّوا احتمالكم لي حين أضجركم … من الصلات التي منكم أرجيها
قال: فكتب إلى بخطه وهي له:
إنا ليتحفنا بالشوق كتبكم … وإن بعدتم فإن الشوق يدنيها
وكيف تضجر منها وهي مذهبيةٌ … من وحشة الشوق لوعات نعانيها
(١) نعبة: أي صوت الغراب وهو صوت ينذر بالبين على زعمهم. انظر المنجد مادة "نعب".