للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عساكر وأعطى العزيزية مع القضاء لجمال الدين بن الحرستاني، واعتنى به الملك العادل اعتناء كثيرا وأقبل عليه وأكرمه بحيث أرسل له ما يفرش تحته في مجلس الحكم لضعفه وكبره وما يستند إليه، وكان يجلس للحكم بمدرسته المجاهدية وناب عنه بها ابنه عماد الدين عبد الكريم، وكان يجلس بين يديه فإذا قام الشيخ يستبد مكانه ثم أنه منعه ذلك لشيء بلغه عنه وناب عنه أيضا أكابر شيوخ القضاة يومئذ شمس الدين الشيرازي فكان يجلس قبالته في إيوان المجاهدية وشمس الدين بن سنى الدولة وشرف الدين بن الموصلي الحنفي بمجلس المحراب بها وبقى في القضاء نحوا من سنتين وسبعة أشهر، وتوفي يوم السبت رابع ذي الحجة ودفن بجبل قاسيون، وكان عمره خمسا وتسعين سنة.

قال ابن كثير (١): وكان يحفظ الوسيط للغزالي (رحمه الله) قال ابن عبد السلام: ما رأيت أحدا أفقه من ابن الحرستاني، وكان من أعدل القضاة وأقومهم بالحق لا يأخذه فيه لومة لائم. وقال أبو شامة (٢): ولغرابة ولاية القضاء لمن هو في هذا السن قال فيه شاعر الشام الشاغوري هذين البيتين:

يا من تدرع في خمل الخمول … وما معانق الهم في سر وإعلان

[٣٧٣] لا تيأسن روح من نادي … قاضي القضاة الجمال بن الحرستاني

على أنه امتنع من الولاية لما طلب لها حتى ألح عليه فيها. وقال السبط: ح كي لي ولد القاضي قال: كان أحد بني قوام يعامل الملك المعظم عيسى في السكر ويتجر له فمات ابن قوام فطرح ديوان المعظم يده على تركة ابن قوام، وبعث المعظم إلى القاضي يقول له: هذا الرجل كان يتاجر لي بمالي والتركة لي وأريد تسلمها فأبى عليه إلا بثبوت شرعي قال: وحكى لي جماعة من الدماشقة أن الملك العادل سيف الدين كتب لبعض خواصه كتابًا يوصيه به في حكومة بينه وبين رجل فجاء إليه ودفع إليه الكتاب فقال: إش فيه؟ قال: وصية لي. قال: أحضر خصمك. فأحضره والكتاب بيده لم يفتحه وادعي على الرجل، فظهر الرجل على حامل الكتاب، فقضى عليه ثم فتح الكتاب وقرأه ورمي به إلى حامله وقال: كتاب الله قد حكم على هذا الكتاب، فمضى الرجل إلى


(١) البداية والنهاية، جـ ١٣ ص ٨٥.
(٢) الذيل على الروضتين، ص ١٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>