للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مات نور الدين، فاعتذر بقلة المال والفرنج. قلت: هذا عذر غير مقبول عند الله وعند الناس. ثم سار المعظم إلى بانياس وراسل الصارم التبنيني وهو بتبنين (١) في تسليم الحصون فأجابه به، فأخرب بانياس وسار إلى تبنين فأخربها وهدمها، وكانت قفل البلاد وملجأ العباد، وأعطى بلاد جهاركس لأخيه العزيز وزوّجه ببنت جاركس، وبعث إليه الكامل بالخلع، وقال: أدركني. وقد جاءت الفرنج فنزلوا سرمساح، وأخلى لهم المسلمون الخيام فطمعوا، ثم رجع عليهم الكامل فكسرهم وقتل منهم خلقًا كثيرًا وعادوا إلى دمياط، ونزل الصارم وولده ناصر الدين وأصحابه من الحصون فأكرمهم المعظم وخلع عليهم وأحسن إليهم، وأظهر أنه ما أخرب بانياس وتبنين إلا خوفًا من استيلاء الفرنج عليها (٢).

(السابع) في دولة الملك الكامل ناصر الدين محمد بن الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب استقلالا بالديار المصرية بعد والده في جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وستمائة.

ولما توفي والده ووصل الخبر بوفاته عمل له العزاء بدار الوزارة بالقاهرة، وكان نازلا بدمياط مشغولا بالفرنج -كما ذكرنا- وعنده أخوة الفائز، وجرت بين المسلمين والفرنج وقائع كثيرة وحروب، وثارت الفتن من الغرباء بالديار المصرية، فكانوا أشد بلاءً من الفرنج. واتفق مع ذلك أن عماد الدين بن المشطوب - أحد الأمراء العادلية - كان يكره الكامل فأراد القبض عليه وإقامة أخيه الفائز عوضا عنه، فأُعلم الكامل بهذه الحالة فارتحل عن دمياط، وقصد التوجه إلى مصر لهذه الحادثة، فأشار عليه بعض الأمراء بالمقام على المنصورة، وهي قرية أنشأها الكامل على بحر أشموم لأجل مقابلة الفرنج ومقاتلتهم، فأقام بها وأصبح الفرنج فلم يروا من العسكر الإسلامي أحدًا بالبر الشرقي، فظنوا أنها مكيدة عملت عليهم، فارتابوا إلى أن تحققوا رحيل السلطان، فعدوا وكسبوا وغنموا ما ترك المسلمون وأحاطوا بدمياط من البر والبحر، وضايقوها مضايقة كثيرة.


(١) بلدة في جبال بني عامر المطلة على بانياس، بين دمشق وصور. معجم البلدان، جـ ١، ص ٨٢٤.
(٢) ورد هذا الحدث في الذيل على الروضتين، ص ١١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>