للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وستمائة وذلك أنهم عبروا نهر جيحون صحبة ملكهم جنكيز خان من بلادهم، وكانوا يسكنون جبال طمغاج من أرض الصين ولغتهم مخالفة للغة سائر التتار وهم من أشجعهم وأصبرهم على القتال، وسبب دخولهم أن جنكيز خان بعث تجار له مع أموال كثيرة إلى بلاد خوارزم شاه يشترون له ثيابا للكسوة فكتب نائب خوارزم شاه إليه يخبره بهم وبما معهم من الأموال الكثيرة فأرسل خوارزم شاه إليه يأمره بقتلهم وأخذ أموالهم ففعل ذلك، فبلغ جنكيز خان فغضب عند ذلك غضبا شديدا وأرسل يتهدد خوارزم شاه، فأشار من أشار على خوارزم شاه بالمسير إليهم فسار إليهم فأقبل وهم في شغل بقتال كشلي خان، فنهب خوارزم شاه أموالهم وسبي ذراريهم وذلك بعد أن اقتتلوا أربعة أيام قتالا لم نسمع بمثله؛ أولئك يقاتلون على حريمهم والمسلمون يقاتلون عن أنفسهم يعلمون أنهم متى ولوا استأصلوهم، فقتل من الفريقين خلق كثير حتى أن الخيول كانت تزلق في الدماء، وكان جملة من قتل من المسلمين نحو من عشرين ألفًا، ومن التتار أضعاف ذلك. ثم تحاجز الفريقان وولي كل منهم إلى بلاده.

وقال أبو الفتح المنشئ: لما انصرف السلطان خوارزم شاه من العراق واستقر بما وراء النهر وافته رسل جنكيز خان وهم محمود الخوارزمي، وعلي خواجه البخاري ويوسف كنكا الأتراري ومعهم من نَقَر المعادن ونواقح المسك وأحجار اليشم والنياب التي تسمى طرقو، وقد ذكرنا هذا أنه كان في سنة أربع عشرة وستمائة وأن خوارزم شاه أكرم رسله وخلع عليهم وأظهر المسالمة مع جنكيز خان، ولما ردوا إلى جنكيز خان وأخبروه بذلك سر وفرح على هذا واستمر الحال على المسالمة إلى أن وصل من بلاد جنكيز خان تجار إلى أترار وهم خواجه عمر الأتراري والجمال المراغي وفخر الدين البخاري وأمين الهروي، وكان ينال خان ابن خال السلطان في عشرين ألف فارس ينوب عن السلطان خوارزم شاه في مدينة أترار (١).

ولما وصلت التجار إلى أترار شرهت نفسه الدنيّة في أموالهم واحتاط عليهم وخفى أثرهم وتفرد بتلك الأموال بغير علم السلطان (٢). فبلغ ذلك جنكيز خان، فأرسل


(١) أُترار = أُطرار: مدينة حصينة وولاية واسعة في أول حدود الترك بما وراء النهر على نهر سيحون قرب فاراب. معجم البلدان، جـ ١، ص ٣١٠.
(٢) ورد هذا الحدث بتصرف في الكامل، جـ ١٠، ص ٤٠١ - ٤٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>