إلى خوارزم شاه شخصا يقال به كرُجْ بُغْرا، وكان أبوه من أمراء السلطان تكش والد خوارزم شاه، ومعه اثنان من التتار، ومضمون الرسالة بأنك قد أعطيت خط يدك بالأمان للتجار، وأن لا يتعرض إليهم أحد، فغدرت ونكثت، والغدر في نفسه قبيح، ومن سلطان الإسلام أقبح، فإن كنت تزعم أن الذي فعله ينال خان من غير أمرك فسلمه إلىَّ لأجازيه على ما فعل، وإلا فأذن بحرب تَرْخُصُ فيها غوالي الأرواح، وتقصف معها عوالي الرماح.
فأمسك السلطان عن تسبيرينال خان إليه، على رعب خامر قلبه، وخَوفُ سلب لُبه، وذلك لأنه عُمْدَة عساكره، ومن أقاربه، وكان أكثر أمرائه من أقاربه، وطُرُر مملكته والمتحكمين في دولته. ثم اعتقد السلطان أنه إذا لاطف جنكيز خان في الجواب لم يزده ذلك إلا طمعًا فيه، فأغلظ في الجواب وأمر بقتل أولئك الرسل فقتلوا فيا لها من قتلة هدرت دماء المسلمين والإسلام، وأجرت بكل نقطة سيلا من الدم الحرام، ولما بلغ ذلك جنكيز خان عزم على المسير إليه، واجتهد في الحوطة عليه وبلغ ذلك السلطان خوارزم شاه فأول ما اعتمده من التدبير الخطأ أنه عزم على أن يبني سورا على سمرقند ودوربها على ما قيل اثني عشر فرسخًا ثم شحنها بالرجال ليكون ردا بينه وبين الترك، وسدًا دونهم، ثم سير عماله وجباته إلى جميع البلاد وأمرهم أن يستخرجوا خراج سنتين. وأعجلة التتار عن عمارة السور. ومن جملة خطئه في تدبيره أنه لما سمع بقرب جنكيز خان فرق عساكره في مدن ما وراء النهر وبلاد الترك، فترك ينال خان في عشرين ألف فارس في أترار وقيلغ خان في عشرة آلاف فارس في شهر كند (١) والأمير اختيار الدين كشلي أمير آخور وأغلى حاجب الملقب بانبانجخان في ثلاثين ألف فارس ببخاري وطغان جَان خَالَهُ وأمراء الغور مثل حرمنج وخرزوام وابن عز الدين وحسام الدين مسعود وغيرهم في أربعين ألف فارس بسمرقند، وفخر الدين المعروف با عيار النسوي وعسكر سجستان بترمذ وملخودْخان بوخش وأبا محمد خال أبيه في جماعة كثيرة ببلخ وأسرك بهلوان بجند وعجلق ختلان، وبالجملة لم يترك بلدا من البلاد بما وراء النهر خاليا من عسكره وقد أخطأ في ذلك، فلو التقى التتار بعساكره قبل أن يفرقهم لاختطفهم خطفًا ولكن أمر الله غالب، ثم إن جنكيز خان لما شارف تخوم البلاد السلطانية تياسر صوب أترار وداوم
(١) في الأصل "شهركنت" والصحيح ما أثبتناه، وهي شَهْد كنْد: مدينة في طرفه تركستان قريبة من الجَنْد بينها وبين مدينة خوارزم نحو عشرة أيام. معجم البلدان، جـ ٣، ص ٣٤٤.