للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عسكره، ففعلوا ذلك ولم يأخذوا أمر بدر الدين، وساروا جريدة ليس معهم إلا سلاحهم ودواب يقاتلون عليها، وسَرَوْا ليلتهم جمعاء فصبحوا عماد الدين زنكي فالتقوا تحت العقر، وعظم الخطب فأنزل الله نصره على العسكر البدرى، فانهزم زنكي وعسكره وسار إلى إربل منهزما، وعاد العسكر البدرى إلى منزلته التي كان بها وحضرت رسل الخليفة في الصلح فاصطلحوا.

ومنها أن عماد الدين زنكي ملك قلعة كواشي (١)، وملك بدر الدين لؤلؤ تلعفر (٢)، وملك الأشرف (٣) سنجار.

وهذه كواشي من أحصن قلاع الموصل وأعلاها وأمنعها، وكان أهلها يظهرون لبدر الدين الطاعة ويبطنون الطاعة لزنكي، فراسلوا زنكي في المجيء إليهم وأخرجوا نواب بدر الدين عنهم وامتنعوا بها، وكانت رهائنهم بالموصل، فسار إليهم وتسلم القلعة، فراسل مظفر الدين بإعادة كواشي ويُذَكِّره الإيمان والعهود القريبة، فلم يجب. وأرسل حينئذ بدر الدين إلى الملك الأشرف وهو بحلب يستنجده، فسار وعبر الفرات إلى حران، فاختلفت عليه الأمور من عدة جهات منعته من المسير، وسبب هذا الاختلاف أن مظفر الدين كان يُراسل أصحاب الأطراف يستميلهم ويُحَسِّن لهم الخروج على الأشرف ويخوفهم منه إن خلا وجهه، فأجابه إلى ذلك عز الدين كيكاوس صاحب بلاد الروم، وكان مظفر الدين قد راسل جماعة من الأمراء الذين مع الأشرف واستمالهم فأجابوه منهم: أحمد بن المشطوب الذي ذكرنا أنه فعل على دمياط ما فعل وهو أكبر أمير كان معه ووافقه غيره وفارقوا الأشرف ونزلوا بدنسير تحت ماردين ليجتمعوا مع صاحب آمد ويمنعوا الأشرف من العبور إلى الموصل لمساعدة بدر الدين، فلما اجتمعوا هناك عاد صاحب آمد إلى موافقة الأشرف وفارقهم وسلم إليه الأشرف مدينة حاني وجبل جور، فلما فارقهم صاحب آمد انحل أمرهم واضطر بعض الأمراء الذين فارقوا الأشرف إلى العود إلى طاعة


(١) قلعة كواشي: قلعة حصينة في الجبال التي في شرقي الموصل، وكانت تسمى قديمًا أَرْدُمُشت، وكواشي اسم لها مُحْدَثٌ. معجم البلدان، جـ ٤، ص ٣١٠.
(٢) تلعفر = تل أعفر = تل يعفر: قلعة بين سنجار وبين الموصل وهى إلى سنجار أقرب. انظر أبو الفدا، تقويم البلدان، ص ٢٨٦ - ص ٢٨٥؛ وقد ذكر ابن الأثير أن الخاصة تطلق عليها تل يعفر، أما العامة فتطلق عليها تل أعفر. انظر: الكامل، جـ ١٠، ص ٣٨٨.
(٣) المقصود الملك الأشرف موسى بن الملك العادل.

<<  <  ج: ص:  >  >>