للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أربع وستمائة، وحججت، فلما كان [٤٠٩] يوم عرفة صعدت جبل عرفات وإذا بالشيخ عبد الله قاعد على رأس الجبل مستقبل الكعبة، وعليه الثوب الخام، وعلى رأسه القلنسوة (١) السوداء، فسلمت عليه، فرحب بي وسألني عن طريقي، وقعدت عنده (٢) إلى قريب الغروب، ثم قلت له: ما تقوم تروح إلى المزدلفة. قال: اسبقني أنت على رفاق. فنزلت من الجبل وأتيت المزدلفة، ووقفت بها، وجئت إلى مني فدخلت مسجد الحنيف، وإذا بالشيخ توبة خارج من المسجد، فسلم على، فقلت له: أين نزل الشيخ؟ ظنًا مني أنه قد حج معه، فقال: أيما شيخ؟ قلت: الشيخ عبد الله. قال: خلفته ببعلبك. ففطنت، فقلت: مبارك. ففهم فلزم بيدى وبكي. وقال: بالله حدثني إيش معنى هذا؟ فقلت: رأيته البارحة على عرفات وحدثته الحديث ورجعت أنا على بغداد، وجاء توبة إلى دمشق، وحدّث الشيخ عبد الله الحديث، فحدثني توبة قال: قال لي الشيخ: ماهو صحيح منك، فلان فتى، والفتى ما يكون غمازًا. فلما عدت إلى الشام عتبنى الشيخ فقلت: توبة تلميذك. فقال: لا تعد إلى مثلها. كأنه كره أن يتحدث له بكرامة في حال حيوته. وقال ابن كثير (٣) ناقلا عن السبط (٤) قال: حكى لي عبد الصمد خادِمه قال: لما كان يوم الجمعة من العشر الأول من ذي الحجة نزل فصلى الجمعة بجامع بعلبك وهو صحيح ليس به شيء، ودخل الحمام قبل الصلاة، واغتسل، وكان عليه ثوبان قد سماهما لامرأتين (٥)، وجاءه داود المؤذن وكان يغسل الموتى، فقال له: ويحك ياداود انظر كيف تكون غدا؟ فما فهم داود. وقال: يا سيدي كلنا غدا في غفارتك. ثم صعد الشيخ إلى المغارة، وكان قد أمر الفقراء أن يقطعوا صخرة عند اللوزة التي كان ينام تحتها ويقعد عندها، وعندها قبر، وكان في نهار الجمعة، قد نُحرت الصخرة وبقى منها مقدار نصف ذراع. فقال لهم: لا تطلع الشمس إلا وقد فرغتم منها. قال: وبات طول


(١) قلنسوة: جمعها قلانس دهي كلوتة مطرزة أي زركش.
انظر: الملابس المملوكية، ص ٤٢.
(٢) "عنه" كذا في الأصل، والمثبت من مرآة الزمان حيث ينقل عنها العيني، ج ٨، ص ٤٠٣.
(٣) البداية والنهاية، ج ١٣، ص ١٠١.
(٤) مرآة الزمان، ج ٨، ص ٤٠٥ - ص ٤٠٦.
(٥) ذكر سبط ابن الجوزي أن المرأتين هما أم أيدمر، والأخرى أم مهجة، ولم يذكر صنعتهما له. ج ٨، ص ٤٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>