للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الليل يذكر أصحابه ومعارفه ويدعو لهم، وطلع الصبح فصلى بي، وخرج إلى صخرة كان يجلس عليها، فجلس عليها وبيده سبحته، وقام الفقراء يتممون الصخرة، وطلعت الشمس وقد فرغوا منها، والشيخ قاعد نائم والسبحة بيده. وجاء خادم من القلعة إليه في شغل، فرآه نائمًا قاعدا، فما تجاسر أن يوقظه، فقعد ساعة، فطال عليه، فقال: يا عبد الصمد ما أقدر أقعد أكثر من هذا. قال: فتقدمت إليه وقلت: سيدي سيدي فما تكلم، فحركته فإذا به ميّت، وقد فرغوا من الصخرة، وعملوا فيها ساعة، وهو ميت، وارتفع الصياح، وكان صاحب بعلبك في الصيد، فأرسلوا وراءه فجاء، فرآه على تلك الحال لا وقع ولا وقعت السبحة من يده، وهو كأنه نائم، فقال: دعونا نبنى عليه بنيانًا وهو على حاله ليكون أعجوبة الدنيا أن الإنسان يموت وهو قاعد ولا يتغير. فقالوا: اتباع السنة أولى، وطلع داود فغسله، ودفع الثوبين إلى المرأتين. ولما ألحدوه قال له الحفار: يا شيخ عبد الله اذكر ما عاهدتنا عليه. قال: ففتح عينيه ونظر إلىَّ شزرا. ودفن عند اللوزة يوم السبت، وقد جاوز ثمانين سنة - رضي الله عنه ورحمه. وكان الشيخ محمد الفقيه اليونيني من جملة تلامذته ومن يلوذ به. وهو جد هؤلاء المشايخ بمدينة بعلبك (١).

الملك (٢) المنصور محمد بن الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب صاحب حماة [٤١٠] توفي في ذي القعدة منها بقلعة حماة، وكانت مدة مرضه أحدًا وعشرين يوما، وورم دماغة قبل موته، وكان شجاعا عالما محبا للعلماء، ورد إليه منهم جماعة كثيرة، قيل: الشيخ سيف الدين الآمدي، وكان في خدمة المنصور قريب من مائتي متعمم من النحاة والعلماء والمشتغلين بغير ذلك، وصنف المنصور عدة مصنفات مثل: المضمار في التاريخ في عشر مجلدات، وطبقات الشعراء، وكان معتنيا بعمارة بلده والنظر في مصالحه، وهو الذي بنى الجسر الذي خارج باب حمص، واستقر له بعد وفاة والده من البلاد: حماة، والمعرة (٣)، وسلمية (٤)، ومنبج (٥)، وقلعة نجم (٦)، فلما فتح


(١) لمعرفة المزيد عن الشيخ عبد الله اليونيني.
انظر: الذيل على الروضتين، ص ١٢٥ - ١٢٨.
(٢) انظر: الذيل على الروضتين، ص ١٢٤؛ مفرج الكروب، ج ٤، ص ٧٧ - ص ٨٩؛ البداية والنهاية، ج ١٣، ص ١٠٠؛ الشذرات، ج ٥، ص ٧٧ - ٧٨.
(٣) المعرة: هي مدينة كبيرة قديمة من أعمال حمص بين حلب وحماة.
انظر: معجم البلدان، ج ٤، ص ٥٧٥.
(٤) سلمية: بليدة من ناحية البرية من أعمال حماة بينهما مسيرة يومين وكانت تعد من أعمال حمص.
انظر: معجم البلدان، ج ٣، ص ١٢٣.
(٥) منبج: بلد قديم بينها وبين الفرات ثلاثة فراسخ وبينها وبين حلب عشرة فراسخ.
انظر: معجم البلدان، ج ٤، ص ٦٥٤ - ٦٥٦.
(٦) قلعة نجم: قلعة حصينة تطل على الفرات على جبل، وهي المعروفة "بجسر منبج" معجم البلدان، ج ٣، ص ١٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>