مصراعيه .. يرسم أشكالًا أرقى للحياة ويعمق الشعور باللا مستحيل في حياة طاقتها يقين كالوحي .. عندما قال حسان هذه الأبيات لبى شيئًا من طموح النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي لم يرتق إليه شعر ابن رواحة ولا شعر كعب - رضي الله عنهما - .. ومازال هذا الطموح حيًا يطلق الشعر إلى تلك المستويات الغائبة المأمولة .. ولئن كان للقرآن مسافات هائلة ومذهلة ومعجزة إلا أنه لم يزح الشعر عن عرشه .. ترك له عرشه لكنه قدم له تحديًا قاسيًا أن يردم تلك المسافات الشاسعة بينهما .. إذًا فالشعر في الإِسلام إما أن يكون قطعًا لمسافات جديدة أو لا يكون .. القرآن اليوم يفتح مكة لينطلق منها إلى غيرها فماذا سيقدم الشعر وماذا سيفتح .. لا أدري لكنني اليوم أرى النبي - صلى الله عليه وسلم - يفسح للشعر طرقاته .. ها هو يقول في طريقه لفتح مكة كلمات تحتفي بالشعر سمعها ابن عمر ورواها فقال:"لما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح رأى نساء يلطمن وجوه الخيل بالخمر فتبسم فقال يا أبا بكر كيف قال حسان بن ثابت؟ فأنشد أبو بكر:
عدمت بنيتي إن لم تروها ... تثير النقع من كنفي كداء
ينازعن الأعنة مسرجات ... يلطمهن بالخمر النساء
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ادخلوا من حيث. قال حسان" (١) الذي لم يكتف بجعل الشعر تعبيرًا عن تجربة شعورية بصورة موحية .. بل تجاوزها إلى جعله كشفًا وإضاءة للقادم وتشكيلًا له .. لا على طريقة المأخوذين
(١) سنده قوى رواه الحاكم ٣ - ٧٦ والطحاويُّ في شرح معاني الآثار ٤ - ٢٩٦ من طريق إبراهيم بن المنذر بن الحزامي قال ثنا معن بن عيسى قال حدثني عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر - رضي الله عنهما - نافع وعبيد الله ثقتان معروفان ومعن الأشجعي ثقة ثبت: التقريب ٢ - ٢٦٧ وتلميذه صدوق من رجال البخاري: التقريب ١ - ٤٥ واللفظ للطحاوى وآخره للحاكم من قوله فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.