بالآخرين لكنه يختار أحيانًا طرقًا شديدة الضرر. بمحض إرادته إرضاءً لغروره أو جشعه أو نوازع الحقد في داخله .. أو تحت تأثير العاطفة والشهوة وهي أشياء لا تمت للضرورة أو للصراع من أجل البقاء بصلة .. ومسؤولية الفرد الشخصية أمر جعله الإِسلام من ثوابته .. والنبي - صلى الله عليه وسلم - يمارس تطبيقه الآن مع هذا السارق على أرض المدينة لا سيما وهو يسرق شيئًا ليس مضطرًا للحصول عليه للبقاء حيًا .. كما أنه مارس ذلك داخل المسجد وباعترافه هو .. مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن في مثل هذه الحالة يمارس الحبس على ذمة التحقيق أو التعذيب لانتزاع الاعتراف بالقوة القهر .. كان - صلى الله عليه وسلم - يقرر قاعدة الوقوف مع المتهم حتى تثبت عليه التهمة .. فقد "أتي بسارق قد سرق شملة فقالوا: يا رسول الله .. إن هذا سرق .. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما أخاله سرق فقال السارق: بلى يا رسول الله .. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اذهبوا به فاقطعوه ثم احسموه ثم إيتوني به فقطع .. ثم أتي به فقال: تب إلى الله .. فقال: تبت إلى الله .. فقال: تاب الله عليك"(١) فتطبيق الحد لا يعني أن ينصرف المذنب وهو يحس أنه مراقب من قبل السلطة والمجتمع فقط لأن تلك الرقابة تذوب متى ما أمن العقوبة وتوفرت له سبل الفرار والخروج والتحايل على النظام .. أما الإِسلام فيجذر في أعماق الفرد رقابة الله والخوف منه قبل كل شيء .. فالله لا يغفو ولا ينام ولا تخفى عليه خافية وبذلك يتوفر لدى الشريعة الإِسلامية وحدها رقابتان: من الداخل
(١) حديث صحيح وسنده حسن رواه الحاكم ٤ - ٤٢٢ والبيهقيُّ الكبرى ٨ - ٢٧١ وغيرهما من طرق عن عبد العزيز بن محمَّد الدراوردي أخبرني يزيد بن خصيفة عن محمَّد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا السند صحيح ابن ثوبان تابعي ثقة: التقريب ٢ - ١٨٢ وتلميذه تابعي من رجال الشيخين: التقريب ٢ - ٣٦٧ أما الدراوردي فحسن الحديث إلا عن عبيد الله العمري فمنكر وهذا ليس منها وللحديث طريق أخرى عند الطبراني: ٧ - ١٥٧ عن السائب بن يزيد.