للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كأن السورة التي نزلت فيه وفي امرأته أضرمت بيته .. فصار لا يقر له قرار وهو يرى عاره على كل لسان .. وفي كل نظرة لهبًا يشويه .. إنه التشفى ومحاولة إطفاء متأخرة لما قد احترق منه .. إن إسلام المزيد من الناس يعني لأبي لهب المزيد من شتمه والتقرب إلى الله باحتقاره وبغضه .. إنه يمارس التحطيم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ولو فر منه .. يركض خلفه لا يطلب الراحة لنفسه ولا لغيره .. وكيف يجدها وقد حشته ظلث الآيات جمرًا .. يقول ربيعة:

(رأيت أبا لهب بعكاظ وهو يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقول:

يا أيها الناس إن هذا قد غوى فلا يغوينكم عن آلهة آبائكم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يفر منه، وهو على أثره، ونحن نتبعه ونحن غلمان، كأني انظر إليه أحول ذا غديرتين، أبيض الناس وأجملهم) (١) بل ومن أشرفهم نسبًا .. لكن ذلك كله لا يجدي شيئًا في رجل حشرت في رأسه كل رموز التخلف والشرك والهمجية .. لا شىء سوى كتلة متورمة من الأحقاد والضغائن تتدحرج خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يتجاهله ويصوب بصره نحو الأمام .. يتبع القبائل كلها .. ويقف أمامها كلها .. يتلمس خيامها في كل سنة تنصب فيه تلك الخيام .. يدلف كل خباء .. يبحث فيه عن قلوب تتلمظ فيها الفطرة والعطش .. فيصغي إليها من سحاب التوحيد العذب والحياة الصافية مع الله ما يرويها ويذهب عطشها.

كان يغشى أسواقهم التي يقيمونها كل عام .. للتجارة والشعر


(١) حديثٌ حسنٌ، رواه أحمد (المصدر السابق ٢٠/ ٢١٧)، حدثنا مصعب الزبير، وهو عالم صدوق، حدثط عبد العزيز بن محمَّد الداروردي وحديثه هنا حسن لأنه عن غير عبيد الله العمري، عن ابن أبي ذئب: محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة وهو ثقة فاضل فقيه، عن سعيد بن خالد القرظي، وهو تابعى صدوق. انظر التهذيب (٤/ ٢٠). وهو شاهد لما قبله.

<<  <  ج: ص:  >  >>