وأفشوا ذلك في مكة -أي الذين قال لهم- واجتمعوا يستهزئون برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقعدوا له صفين على طريقه، فأخذوا بأيديهم الحجارة، فجعل لا يرفع رجله ولا يضعها إلا رضخوها بالحجارة، وهم في ذلك يستهزئون، ويسخرون، فلما خلص من صفيهم وقدماه تسيلان بالدماء عمد إلى حائط من كرومهم، فأتى ظل حبلة من الكرم، فجلس في أصلها مكروبًا موجعًا، تسيل قدماه الدماء، فإذا في الكرم عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، فلما أبصرهما كره أن يأتيهما -لما يعلم من عداوتهما لله ولرسوله- وبه الذي به، فأرسلا إليه غلامهما "عداس" بعنب -هو نصراني من أهل نينوى- فلما أتاه وضع العنب بين يديه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "بسم الله" فعجب عداس، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
من أي أرض أنت يا عداس؟ قال عداس:
أنا من أهل نينوى، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
من أهل مدينة الرجل الصالح يونس بن متى. فقال له عداس:
وما يدريك من يونس بن متى؟ فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شأن يونس ما عرف، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يحقر أحدًا يبلغه رسالات الله تعالى. قال عداس: يا رسول الله أخبرني خبر يونس بن متى. فلما أخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شأن يونس بن متى ما أوحي إليه من شأنه، خر ساجدًا للرسول - صلى الله عليه وسلم -، ثم جعل يقبل قدميه وهما يسيلان الدماء. فلما أبصر عتبة وأخوه شيبة ما فعل غلامهما سكتا. فلما أتاهما قالا له: ما شأنك سجدت لمحمد، وقبلت قدميه، ولم نرك فعلت هذا بأحد منا؟ قال: هذا رجل صالح، حدثني عن أشياء عرفتها من شأن رسول بعثه الله تعالى إلينا،