للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(لما أن قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة وانجفل (١) الناس قبله فقالوا: قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .. فجئت في الناس لأنظر في وجهه، فلما رأيت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء سمعته منه أن قال:

يا أيها الناس:

أطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وصِلُوا الأرحام، وصَلُّوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام) (٢).

كلمات قليلة تذوب فيها كل نظريات العدل والمساواة والإصلاح التي ينادي بها البشر .. أي مجتمع سيولد في المدينة .. مجتمع تفشو بين أهله التحايا والهدايا والسلام .. مجتمع يمد يديه للمحتاج .. ويشق الطرقات بين الأقارب والأرحام .. وعندما يهدأ النهار ويدلف إلى خبائه .. وتسكن الطيور في الأوكار .. تحلق أرواحٌ مؤمنة إلى ربها تناجي وتخاف وترجو بدموعها رحمة الرحيم .. أيقن ابن سلام أن هذا الرجل ليس بكذاب .. ولا يأتي كذاب بمثل هذا الحب والسلام ..

لكن أين كان ابن سلام عندما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ أنس بن مالك يقول إنه كان في نخلٍ لأهله يخترف لهم الرطب .. فجاء وأدوات الاختراف بيديه نسي أن يتركها من شدة ذهوله .. يقول أنس:

(وقيل في المدينة: جاء نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، فاستشرفوا نبي الله ينظرون إليه، ويقولون: جاء نبي الله .. فأقبل يسير حتى نزل إلى جانب دار أبي أيوب ..


(١) انطلق الناس نحو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
(٢) سنده صحيح. رواه الترمذيُّ وابن ماجه والبيهقيُّ (٢/ ٥٣١) من طرق عن عوف بن أبي جميلة وهو ثقة من رجال الشيخين عن زرارة بن أبي أوفى العامري وهو ثقة عابد وتابعي من رجالهما (التقريب ٢/ ٨٩) و (١/ ٢٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>