بكى - صلى الله عليه وسلم - وبكى صاحبه من خشية الله .. وتلا على أصحابه عتاب الله له .. لم يخفه عنهم .. ولم يضمر هذه الآيات في نفسه .. بل أعلنها للجميع .. أعلنها لأنها وحي .. وأعلنها لأنه صادق .. ولو لم يكن صادقًا لما كان نبيا .. كانت تلك الآيات تحمل كرامة لعمر وتصويبًا لرأيه .. فهؤلاء الرجال خرجوا لحرب الله ورسوله .. صحيح أن بعضهم كاره والبعض قد استدرج واستفز من قبل أبي جهل .. لكن ألا يستطيع هؤلاء وهؤلاء أن يقولوا: لا؟!
تألم - صلى الله عليه وسلم - لما حدث .. لكن الله رحيم بنبيه .. لم يتركه لآلامه ودموعه .. بعث له جبريل مرة أخرى .. يحمل بشرى بالفداء والجنة ..
ها هو (جبريل نزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - في أسارى بدر فقال:
إن شئتم قتلتموهم، وإن شئتم أخذتم منهم الفداء واستشهد قابل منكم سبعون .. فنادى النبي - صلى الله عليه وسلم - في أصحابه .. فجاءوا، أو من جاء منهم، فقال - صلى الله عليه وسلم -:
هذا جبريل يخيركم بين أن تقدموهم فتقتلوهم، وبين أن تفادوهم واستشهد قابل منكم بعدتهم .. فقالوا:
بل نفاديهم فنتقوى به عليهم، ويدخل منا الجنة سبعون، ففادوهم) (١). أي يستشهد منا سبعون في السنة القادمة.
(١) سنده صحيح. رواه الترمذيُّ والنسائيُّ وابن ماجه (سيرة ابن كثير ٢/ ٤٦٠) عن عبيدة عن علي ورواه ابن سعد (٢/ ٢٢) عن ابن سيرين عن عبيدة مرسلًا وهو كما ترى موصول عند أصحاب السنن المذكورين .. وسنده صحيح وهو: سفيان الثوري عن هشام ابن حسان، عن محمَّد بن سيرين عن عبيدة عن علي وهذا السند كالذهب: عبيدة السلماني تابعي كبير، ومخضرم ثقة ثبت، من رجال الشيخين (التقريب ١/ ٥٤٧) وتلميذه تابعي ثقة ثبت عابد كبير القدر لا يرى الرواية بالمعنى قال عنه تلميذه الثقة وأثبت الناس عنه هشام بن حسان: حدثني أصدق من أدركته من البشر (التهذيب ٩/ ٢١٥) وتلميذه ثقة (التقريب ٢/ ٣١٨) وسفيان ثقة وعلم من أعلام الأمة.