لأنفسهم .. وجحيم مرعب تسابقوا إليه وهم يحملون أصنامهم .. أما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد تركهم وما تسابقوا إليه .. وانعطف براحلته نحو عواطف جياشةٍ تنتظره في طيبة الطيبة ..
ليت شعري كيف استقبله أحبابه هناك .. أيهنئون أنفسهم به ويهنئونه بنصر الله .. أم يعزونه في رقية .. ؟
كيف استقبله عثمان هناك .. كيف كانت حالته - صلى الله عليه وسلم - عندما زاحم الحزن فرحًا يزين صدره ..
كيف كانت حالته عندما التقت عيناه بعيني فاطمة وعيني أم كلثوم ..
وكيف شكتا له الوجد على أختهما الحبيبة .. ؟
هذه الحياة لم تصفُ لمحمد - صلى الله عليه وسلم - .. لم تصفُ لحبيب الله .. فالحزن والمعاناة جزء من حياته .. يفقد ابنته الشابة ويصبر ويحتسب .. ويتوهج بوعد الله فيخفف عن غيره مصيبته ولوعته رغم ما هو فيه ..
ويقول لعثمان:(لك أجر رجل شهد بدرًا وسهمه)(١)
أما حارثة .. ذلك الشاب المكلف بالمراقبة والرصد والذي استشهد هناك في بدر .. فأمه هنا في المدينة تتلقى الركب تسأل عن حبيبها ... فيقع الخبر عليها كالموت .. فيحملها الحزن والسؤال إلى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - .. لقد (أصيب حارثة يوم بدر وهو غلام فجاءت أمه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، قد عرفت منزلة حارثة مني، فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب، وإن تكن الأخرى ترى ما أصنع ..