للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مؤمن .. ويخفف النصر من الحزن والدموع المنثورة على رحيل رقية .. ويخيم الليل والوجد على عثمان .. إنه يعود إلى منزله فلا يجد فيه رقية .. كم هو مشتاق إليها .. كم هو وحيد دون رقية .. وكم هو وحيد وقد انقطع نسبه مع النبي - صلى الله عليه وسلم - .. يا له من ليل حزين لا تبدده إلا الصلاة .. هذا ما يحدث في المدينة أما على أرض المعركة فتتسلل خيوط الفجر إلى سماء بدر .. ويشرق بلالٌ بالأذان .. ويستيقظ من كان نائمًا .. ويصلى الجميع خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. إنه فجر اليوم الثالث بعد انقضاء المعركة .. حيث يأمر - صلى الله عليه وسلم - بالاستعداد للعودة إلى المدينة .. ويطلب تهيئة راحلته .. ويفرغ الجميع مما أمروا به .. وينطلق - صلى الله عليه وسلم - إلى غير ما توقع الصحابة .. فهذا ليس بطريق المدينة .. إنه يتوقف ويتحدث إلى أقوام بشيء مفزع ومخيف جعل أحد الصحابة يستفسره عن ذلك .. أنس بن مالك يحدثنا عن ذلك المسير وعن ذلك التساؤل فيقول: (فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشدت عليها رحلها، ثم مشى واتبعه أصحابه وقالوا: ما نرى ينطلق إلا لبعض حاجته حتى قام على شفى الركى (١) فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم [يا أبا جهل بن هشام .. يا أمية بن خلف .. يا عتبة بن ربيعة .. يا شيبة بن ربيعة .. أليس قد وجدتم ما وعد ربكم حقًا؟] يا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان .. أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله؟ فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًا .. فقال عمر: يا رسول الله .. ما تكلم من أجساد لا أرواح لها. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم [ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا (٢)] (٣) ولا يقدرون على أن يعودوا فيتوبوا .. مصير أسود رسموه


(١) حافة البئر.
(٢) أي أنهم يستمعون لقوله - صلى الله عليه وسلم - حقًا أثناء خطابه لهم.
(٣) حديث صحيح. رواه البخاري عن أنس (٣٩٧٦) وما بين المعقوفين عند مسلم عن أنس.

<<  <  ج: ص:  >  >>