للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ملكت نفسي حين رأيت أبا يزيد مجموعة يداه إلى عنقه بالحبل أن قلت ما قلت) (١) ..

لقد غمرت سودة أجواءٌ مشحونة بالأحزان والأحداث والمفاجآت .. تتدافع نحوها .. تتهاوى عليها وكأن العالم يتقوض فوق رأسها .. فتنفلت منها تلك الكلمات دون أن تشعر .. موت رقية .. ومناحة عفراء .. وأسير من سادات قريش وكرمائها في حجرتها .. خطيب قريش وحكيمها مجموعة يداه إلى عنقه .. متكوم كالذل في زاوية الحجرة .. منظر يثير الشفقة والرأفة .. وامرأة رقيقة المشاعر زادها الإيمان شفافية تشهد ذلك كله .. لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يعنفها .. لم يكفرها بتلك الحروف الشاردة .. كان - صلى الله عليه وسلم - مربيًا.

أشعرها دون أن يخدش مشاعرها .. وأعادها دون أن يجرحها .. سألها سؤالًا .. سأل إيمانًا متجذرًا في كل أعماقها .. فأفاقت واعتذرت لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - .. وأفاقت المدينة كلها على وقع الحوافر والخفاف .. الجمال والخيول والأحمال تملأ شوارع المدينة .. والحقد والغيظ يملأ قلوب اليهود والمنافقين .. فقد استجاب الله لرسوله (حين خرج فقال: اللَّهم إنهم عراة فاكسهم .. اللَّهم إنهم جياع فأشبعهم، ففتح الله لهم يوم بدر، فانقلبوا وما منهم رجل إلا وقد رجع بجمل أو جملين واكتسوا وشبعوا) (٢) فرح وعناق في الشوارع وعلى الأبواب وخلف الأبواب .. ورغم هذا الفرح المتدفق في الشوارع والقلوب كان - صلى الله عليه وسلم - مأخوذًا بهموم وهموم .. الدعوة والقيادة


(١) سنده صحيح. رواه ابن إسحاق ومن طريقه الحاكم (٣/ ٢٢): حدثني عبد الله بن أبي بكر، عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة عن جده .. وشيخ ابن إسحاق ثقة (التقريب ١/ ٤٠٥) ويحيى تابعي ثقة (التقريب ٢/ ٣٥٢) وجده صحابيّ.
(٢) حديثٌ حسنٌ مر معنا وقد حسنه الإمام الألباني في صحيح أبي داود (٢/ ٥٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>