فخرجوا، فمشوا ساعة، ثم إن أبا نائلة شام يده في فود رأسه ثم شم يده فقال: ما رأيت كالليلة طيبًا أعطر قط. ثم مشى ساعةً ثم عاد لمثلها حتى اطمأن، ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها فأخذ بفودي رأسه ثم قال:
اضربوا عدو الله. فاختلفت عليه أسيافهم فلم تغن شيئًا، قال محمَّد بن مسلمة: فذكرت مغولًا في سيفي فأخذته وقد صاح عدو الله صيحة لم يبق حولنا حصن إلا أوقدت عليه نار، فوضعته في ثنته، ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانته فوقع عدو الله وقد أصيب الحارث بن أوس بجرح في رجله أو في رأسه أصابه بعض سيوفنا، فخرجنا حتى سلكنا على بني أمية بن زيد ثم على بني قريظة ثم على بعاث حتى أسندنا في حرة العريض وقد أبطأ علينا صاحبنا الحارث بن أوس ونزفه الدم، فوقفنا له ساعة، ثم أتانا يتبع آثارنا فاحتملناه، فجئنا به رسول - صلى الله عليه وسلم - آخر الليل وهو قائم يصلي، فسلمنا عليه فخرج إلينا فأخبرناه بقتل عدو الله، وتفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جرح صاحبنا، ورجعنا إلى أهلنا، فأصبحنا وقد خافت يهود بوقعتنا بعدو الله، فليس بها يهودي إلا وهو خائف على نفسه) (١) بعد أن رأوا مصير هذا المتآمر .. لا سيما وهو أحد زعماء يهود بني النضير وساداتهم ..
وملأ الخوف نفوس مشركي المدينة أمثال عبد الله بن أبي بن سلول وغيره .. اهتزت حصون اليهود وأوثان المشركين فعقدوا اجتماعًا خائفًا وقصيرًا .. فيدُ الموت أصبحت طويلة تمتد نحو كل خائن .. حتى ولو كان زعيمًا ككعب بن الأشرف فماذا حدث بعد ذلك الاجتماع .. (فزعت
(١) سنده صحيح. رواه ابن إسحاق (سيرة ابن كثير) وروى البيهقي أوله (٣/ ٢٠٠) من طريق ابن إسحاق: حدثني ثور بن زيد الديلي عن عكرمة عن ابن عباس .. وقد صرح ابن إسحاق بالسماع من شيخه ... وشيخه ثقة من رجال الشيخين. التقريب (١٢٠، ١) وعكرمة تابعى وإمام معروف.