ليس بصحابي يستنكر جلوس اثنين من الصحابة عند الدف والغناء وهما من أهل بدر فماذا قالا له؟ يقول عامر رحمه الله:
(دخلت على قريظة بن كعب وأبي مسعود الأنصاري في عرس، وإذا جوار يغنين، فقلت: أنتما صاحبا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن أهل بدر، يفعل هذا عندكم؟ فقال:
اجلس إن شئت، فاسمع معنا، وإن شئت اذهب، قد رخص لنا في اللهو عند العرس) (١) .. وغمرت المدينة فرحة .. وغمرت بيت النبوة التهاني من المهاجرين والأنصار .. وقدم المحبون للمشاركة في أفراح الزهراء ..
وتسلسل بين القادمين رجال يبتسمون في وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - ووجوه أصحابه .. بينما كانت قلوبهم جامحة مولية .. تكاد تميز -تتقطع- غيظًا كما تهادى سرور إلى قلبه أو بيته - صلى الله عليه وسلم - .. كانت قلوب هؤلاء تتلمظ كالحيات .. أحد هؤلاء المزعجين المخيفين .. رجل يدعى: عبد الله بن أبي بن سلول .. تحت عباءة هذا الرجل يختبئ عشرات المشركين الذين يرون المدينة سجنًا لا يطاق بمحمد وصحبه .. يرون المدينة غريبة دون أصنام دون شرك دون سحر وشعوذة .. وبعد تفكير قرر عبد الله بن أبي بن سلول أن يحمل أقدامه إلى حيث محمَّد ليبايعه وخلفه تثاقل عشرات الحاقدين فبايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الإِسلام ومدوا أيديهم المسمومة إلى يده الطاهرة مصافحين معلنين الولاء .. فقد أدرك عبد الله بن أبي ومن معه أنه لا مكان لهم في قلوب الناس ولا بين حرات المدينة وهم على شركهم .. أدركوا ذلك بالتحديد بعد إنتصار المسلمين في بدر .. لذلك