الطاهر .. وكان في نزولها تكريم لهؤلاء الرجال الذين صدقوا مع الله في عهودهم .. فمنهم من قضى نحبه ووفى بعهده كمصعب وحمزة .. وهناك من قضى نحبه وهو لا يزال حيًا مثل طلحة بن عبيد الله .. الذي شلت يده وارتقى - صلى الله عليه وسلم - على ظهره ثم قال له: أوجب طلحة .. أي أتى بعمل صالح أوجب له الجنّة ..
وهناك من ليس بين الأحياء ولا يتبين بين الأموات .. إنه أنس بن النضر عم أنس بن مالك الذي يقول:(نرى هذه الآيات نزلت في أنس بن النضر: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ})(١) لكن أين أنس .. ؟ لا أحد يدري .. كما أن المشركين لم يأخذوا معهم أسرى وإلاّ لقلنا إنه معهم .. سنترك بعض الصحابة ليبحثوا عن أنس بينما نتعقب هذه المرأة لنرى ما تفعله على أرض أُحُد .. إنها فاطمة بنت عمرو بن حرام أخت عبد الله بن عمرو بن حرام .. وزوجة عمرو بن الجموح .. وعمّة جابر بن عبد الله .. وهي تحمل حزنًا كالجبال .. فقد فقدت آخاها وزوجها .. فأذهلها الوجد عمّا يجري حولها .. فاتّجهت إلى زوجها فحملته على بعير .. واتجهت إلى أخيها فحملته أيضًا وعادلتها على ذلك البعير .. ثم أمسكت بخطام البعير ومضت مهمومة نحو المدينة .. مهمومة لكنها متماسكة بالإيمان بقضاء الله وقدره.
لقد مضى عبد الله ومضى عمرو وربما استشهد أبناؤها الأربعة أو بعضهم .. فأي حزن تحمله هذه المرأة المسكينة .. وماذا ستقول لجابر وأخواته .. تابعت هذه المسكينة سيرها وحزنها وصبرها نحو المدينة .. بينما كان جابر لا يزال مرابطًا مع النظارين على مشارف المدينة .. فإذا به